لعل من أخطر ما عانت منه الأمة الإسلامية والعربية طوال مراحل تاريخها الممتد على مدى الزمان، هو تأثير فريق "المضللين" فيها، وأعني بذلك القوم الذين يعملون بكل قوة على تحويل "فكرهم المستعمر" لخدمة هذا الهدف أو ذاك تحت غطاء غاية في الدقة والبراعة، بحيث يصبح ما هو حق باطلاً، وما هو باطل حقاً، لتضليل الأمة عن ثوابتها الحقيقية وأهدافها الصحيحة وتحويل الثوابت إلى متغيرات بهدف إيجاد تاريخ جديد للأمة، ينسف معه عقيدتها ولغتها وثقافتها وقوتها وأصالتها وثوابتها، حتى تصبح مرة أخرى في دائرة الاستعمار. والاستعمار نفسه عندما خرج لم يكن ليتخلى عن مكانه، إلا بعد أن تأكد من وجود مثل هذه الدعائم، التي يعتمد عليها في تأدية دوره، دون أن يظهر هو في الصورة أمام الناس، لذلك فقد جعل للعديد منهم مكانة عالية ونفوذاً قوياً في المجتمع، ليخفف عن الناس شعور التحدي والمقاومة، وتصبح هذه الفئة هي سلاحه الجديد لإخماد روح اليقظة في الأمة وتحطيم حالة الصحوة وعوامل الحصانة والقوة والمقاومة فيها، وأخطرها تشويه رموزها الوطنية خاصة في ظل النفوذ الصهيوني الأميركي، الذي تشهده الآن المنطقة. لذلك لا يجب أن نستغرب اليوم إذا تحول الإنسان الوطني، الذي يدافع عن أمته وعقيدته ولغته وثقافته وهويته الوطنية، الإنسان الذي يكشف الأخطاء والعيوب ويرشد الأمة في نظر هذا الفريق المضلل يعاني من الجهل المركب، إنسان مزايد رجعي متخلف لا يرى إلا نصف الكوب، لا يرى ما يرون ولا يعتقد ما يعتقدون، إنسان يطلق شعارات فارغة من أي قيمة علمية والتاريخ، يقول لنا صراحة إن أصحاب هذا التوجه كانوا من العوامل الخطيرة التي أضعفت قوة الأمة ودفعتها إلى الهزيمة، لأنهم يتعاملون مع هذه الأمة وكأنها لم تبلغ سن الرشد، وكأن تاريخها العظيم وما تملكه من عقيدة وحضارة وثقافة وعلوم ولغة وفكر ومنجزات علمية ضخمة غير قادرة على تأكيد ذاتها وصناعة وجودها ونهضتها باستقلالية تامة، غير قادرة على دعم مقوماتها وقيمها وحضارتها المستقبلية وفكرها المستقل، الذي يجعلها تقف بقوة أمام كل الأخطار والمؤثرات الخارجية. لذلك فإن هذا الفريق يصر الآن حاملاً معه أجندته الخارجية على خلق معركة حقيقية مسمومة في مجتمعاتنا بين الهوية الوطنية والأفكار المستوردة، بين القيم الإسلامية والعربية، والقيم الغربية المضادة، بين اللغة العربية واللغة الأجنبية، تحت غطاء الإصلاح والتغيير والتنمية والتقدم والعالمية. ولجهالة هذا الفريق وعقم تفكيره، لا يدرك أننا نعلم أن الهدف من كل هذا ليس التنمية والإصلاح، بل أن يصل هو بنا إلى مرحلة التسليم وقبول الهزيمة، حتى يسدد ما عليه من ديون خارجية. "اللورد كرومر" ممثل الاحتلال الإنجليزي في مصر، وصف هذا الفريق الذي يرى الإصلاح بعيون غربية بأنه يسبق الأوروبي في تقليد التحرر، لكنه لا يجد فيه سكاناً ولا رباناً لسفينة، فلا ماضيه يضبطه، ولا حاضره يفرض عليه الحواجز الخُلقية، والمفكر الإسلامي محمد إقبال أعلن صراحة عن إفلاس هذا الفريق عندما قال: "إنني يائس من زعماء التجديد في الشرق، فقد حضروا في نادي الشرق بأكواب فارغة". في البداية كنت أظن أن الحوار مع هذا الفريق الذي دائماً ما يردد أنه يعشق الحرية والديمقراطية والعدالة وروح الشفافية ويعشق حوار الفكرة بالفكرة ويسعد كثيراً بروح المكاشفة الصريحة التي تبين له عيوبه وأخطاءه، خاصة في مشاريع الإصلاح والتطوير والتغيير، لكن يبدو أن ذلك غير صحيح، نوع من الوهم مجرد غطاء وشعارات فارغة والتجارب خير دليل، عندما يبدأ الحوار وتحدث المكاشفة والمصارحة والإرشاد نحو الخطأ تنقلب الأمور وينكشف الغطاء تتحول الديمقراطية إلى سخط وانتقام، والشفافية إلى كراهية شديدة وحوار الفكر بالفكرة إلى عداء شخصي، يركز على أتفه ما في الحديث، ويترك المهم والخطير وتبرير يشبه تماماً ما حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال "أخوف ما أخشى عليكم بعدي منافق عليم اللسان". عزيزي القارئ لعلك تندهش إذا قلت لك إن أخطر ما في هذا الفريق هو قدرته على التلون وقدرته على تبديل الأقنعة إذا تعارضت مع مصلحته الشخصية وأهدافه الخاصة. قد يلبس قناع الدين ويتركه، ويلبس قناع الوطنية ويتركه ويلبس قناع الديمقراطية أو الاشتراكية ويتركه. أهدافه ومصلحته هي التي تحدد له نوع القناع، هذا الفريق هو من أشاع بيننا روح الهزيمة وهو أخطر ما تعاني منه اليوم الأمة.