حساب احتمال انفجار قنبلة نووية في إحدى المدن الأميركية أمر غير ممكن، غير أن الأكيد هو أنه احتمال أكبر مما كان عليه الحال قبل خمس سنوات من اليوم؛ ذلك أن المصادر الممكنة للقنابل أو المواد الأحفورية اللازمة لصناعتها انتشرت في كوريا الشمالية وإيران، بينما تظل ترسانة روسيا النووية غير مؤمنة بالكامل، وذلك بعد 15 عاماً على انهيار الاتحاد السوفييتي. كما أن التكنولوجيا النووية الباكستانية، التي عُرضت في السوق ذات مرة من قبل عبد القادر خان، يمكن أن تصل إلى الإرهابيين. وفي وقت يمتد فيه التطرف من العراق إلى بقية الشرق الأوسط، وآسيا، وأوروبا، بل وحتى الأميركيتين، يمكن القول إن المزيد من المواد النووية، التي يمكن فقدانها أو سرقتها إضافة إلى أو (+) المزيد من الإرهابيين الذين يتطلعون إلى دمار شامل، يساوي (=) احتمالاً كبيراً للإرهاب النووي. في 2005 أبرز السيناتور السابق "سام نان" حاجة واشنطن إلى فعل المزيد من أجل تغيير هذه المعادلة، حين طرح سؤالاً مستفزاً: في اليوم، الذي يلي انفجار قنبلة نووية في إحدى المدن الأميركية، "ماذا كنا سنتمنى فعله من أجل تلافي ذلك؟". واليوم، وبالنظر إلى الخطر المتزايد الذي بتنا نواجهه، ربما يجدر بنا أن نضيف سؤالاً ثانياً إلى سؤال ثان: ماذا سنفعل في اليوم التالي؟ أي، ما هي الخطوات التي يجدر بحكومتنا أن تتخذها؟ ثمة الكثير مما يمكن فعله لإنقاذ الأرواح وضمان استمرار الحضارة في مثل هذه الظروف العصيبة. ففي النهاية، فإن المعادلة الأساسية تكمن في تصرف مجموعة من الإرهابيين ضدنا؛ وبالتالي، فحتى الأسلحة النووية لا ينبغي أن تنال من مجتمعاتنا القوية، شريطة أن نكون قد استعددنا للتحرك معاً وبحكمة. ومن المؤسف أنه حان الوقت كي نتأمل بعض مخططات الطوارئ. في البداية، على واشنطن أن تكف عن ادعاء أن دورها يقتصر على مساعدة السلطات المحلية فقط. وبالمقابل، على الحكومات المحلية في الولايات –رغم أن تحركها لإنقاذ الأرواح وتلافي مظاهر الذعر في الساعات الأولى سيكون أساسياً- أن تكف عن ادعاء أنها تستطيع النهوض بالمسؤولية لوحدها. كما على الحكومة الفيدرالية، وفي مقدمتها وزارة الأمن الداخلي، أن تخطط للتدخل بسرعة وتتسلم المسؤولية كاملة، وتُسخر جميع مواردها، بما في ذلك موارد وزارة الدفاع، للتعاطي مع الأزمة. ذلك أن الحكومة الفيدرالية فقط هي التي تستطيع مساعدة البلد على التعامل بعقلانية مع مشكلة الإشعاع، الذي يتميز به الإرهاب النووي وينشر الذعر في الناس. وبالنسبة للأشخاص كانوا داخل دائرة انفجار قنبلةٍ من حجم تلك التي استهدفت هيروشيما بقطر ميلين أو الموجودين في مهب الريح، لا يوجد ما يمكن فعله. ذلك أن أولئك الذين لم يقضوا في هذه المنطقة جراء الانفجار، ربما مئات الآلاف، سيتعرضون للإشعاع النووي لا محالة، والكثير منهم سيلقى حتفه. غير أن معظم سكان المدينة ستكون لهم خيارات أكثر بحكم وجودهم بعيداً عن مكان الانفجار. وعليه، فما الذي ينبغي عليهم فعله وهو يشاهدون غباراً مشعا يطفو في الجو تحمله الرياح على غرار الغبار الذي انبعث من مكان تحطم البرجين في الحادي عشر من سبتمبر؟ السكان المحظوظون الذين يوجدون في أعلى مهب الريح يمكنهم المكوث في منازلهم إذا كانوا متأكدين من الاتجاه الذي يهب فيه الغبار. أما بالنسبة للأشخاص، الذين يوجدون في مهب الريح، ولا يبعدون سوى بضعة أميال عن مكان الانفجار، فإن أفضل خطوة يمكنهم القيام بها تتمثل في الاحتماء في أقبية منازلهم لنحو ثلاثة أيام قبل أن يستطيعوا الخروج. الواقع أنها حقيقة يصعب استيعابها على اعتبار أن رد فعلنا التلقائي جميعاً سيكون هو الهرب. بيد أن التوجه نحو الضواحي أو العلوق في الاختناقات المرورية، سيُعرض الناس مباشرة لخطر الإشعاع، الذي سيكون أكثر قوة وكثافة خلال اليوم الذي يلي الانفجار، قبل أن تبدأ الكمية في التراجع تدريجياً يوماً بعد يوم. لاحقاً، سينبغي اتخاذ المزيد من القرارات الصعبة؛ إذ يمكن للناس الذين يوجدون أسفل مهب الريح ترك منازلهم أو البقاء فيها، أو المغادرة لفترة ثم العودة، أو المغادرة والعودة لفترة قصيرة لأخذ الأغراض القيمة. خيارات ستحسمها كمية الإشعاع التي هم مستعدون للتعرض لها؛ ذلك أنه باستثناء المنطقة الساخنة المحيطة بمكان الانفجار وأسفل مهب الريح بضعة أميال، فإن حتى الأشخاص غيرالمحميين في ملاجئ لن يكونوا معرضين لما يكفي من الإشعاع لقتلهم أو إصابتهم بمرض. ذلك أن الكمية تكفي فقط لزيادة احتمال إصابتهم بمرض السرطان في وقت لاحق بنسبة تتراوح ما بين 20 في المئة (وهو احتمال إصابة أي واحد منا بهذا المرض) إلى نسب أكبر -21 في المئة، 22 في المئة إلى 30 في المئة كحد أقصى. كما ستواجه الجنود والقوات التي ستُرسل إلى المنطقة المنكوبة خيارات لا تقل صعوبة من قبيل: إلى أي مدى يمكنهم الاقتراب من مكان الانفجار، ولأي مدة؟ وهي أسئلة يمكن أن يجيب عنها الأفراد المعنيون وحدهم بناء على المعلومات بخصوص الانفجار. بعد ذلك تأتي الحقيقة المزعجة المتمثلة في أن القنبلة المنفجرة قد لا تكون الأخيرة؛ فإذا تمكن الإرهابيون من الحصول على سلاح نووي أو مواد أحفورية لصنعه (والتي تكفي حقيبةٌ صغيرة لحملها)، من يستطيع الجزم بأنهم لا يتوفرون على قنبلتين أو ثلاث قنابل أخرى؟ وحتى في حال لم تكن ثمة قنابل أخرى، فمن المرجح جداً أن يدعي الإرهابيون بأنهم يتوفرون عليها. وهو ما سيدفع الناس في المدن الأخرى إلى الرحيل عن مدنهم في اليوم التالي، أو على الأقل نقل أبنائهم إلى الأرياف، مثلما حدث في انجلترا خلال الحرب العالمية الثانية. في غضون ذلك، ستسعى الحكومة الأميركية، المجتمعة على الأرجح في مكان ما خارج العاصمة واشنطن، إلى تحديد مصدر القنابل بسرعة. ومما لا شك فيه أن عملية التعقب ستفضي إلى حكومة بلد ما –روسيا أو باكستان أو كوريا الشمالية أو غيرها من البلدان التي تمتلك ترسانة نووية أو برامج متقدمة للطاقة النووية- على اعتبار أنه حتى أكثر المنظمات الإرهابية تطوراً لا تستطيع إنتاج البلوتونيوم أو تخصيب اليورانيوم لوحدها. الأرجح أن تميل الحكومة الأميركية إلى الانتقام من ذاك البلد؛ والحال أن الدولة المعنية، قد لا تكون مدركةً لحقيقة أن قنابلها سُرقت أو بيعت، ناهيك عن أن تكون قد زودت الإرهابيين بها عمدا. وعليه، فإن الانتقام من روسيا أو باكستان سيؤدي إلى نتائج عكسية؛ بالمقابل، ستكون ثمة حاجة ماسة لتعاونها لمعرفة من حصل على القنابل، وكم قنبلة أخذت، ووضع حد لحملة الإرهاب النووي. ولذلك، فمن المهم جدا الاستمرار في تطوير القدرات على تعقب أي قنبلة عن طريق تحليل بقاياها. وحين لا تتعاون إحدى الدول في البحث، يمكن حينها بطبيعة الحال بحث إمكانية تنفيذ عمل انتقامي. أخيرا، وبعد دمار الأبنية والأرواح، يمكن أن يدمَّر الشعورُ بالأمن والسكينة بالنسبة للناجين أيضا، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى انتشار الذعر والهلع. وهنا تبرز ضرورة مخططات للطوارئ في اليوم الذي يلي انفجارا نوويا، مخططات ينبغي أن تُظهر للأميركيين أن الأجهزة الثلاثة للحكم (التنفيذية والتشريعية والقضائية) قادرة على العمل في انسجام تام، ووفق الدستور للتعاطي مع الأزمة وتلافي مزيد من الدمار. وفي هذا الإطار، يمكن لمجلس يضم الرئيس، ونائب الرئيس، ورئيس مجلس النواب، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ مثلاً، بحضور رئيس المحكمة العليا بوصفه مراقباً، أن يبحث بعض جوانب رد الحكومة على الأزمة، مثل زيادة المراقبة. على أنه ينبغي لأي تدابير تُتخذ في اليوم الموالي أن تكون مؤقتة فقط، وتتم مراجعتها وكبحها حالما تنتهي الأزمة. ـــــــــــــــــــــ أستاذ بجامعة ستانفورد، ومدير سابق لـ"مختبر لورانس ليفارمور القومي" ـــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"