أرسلت لي أخت تعمل في الصحافة، الترتيب الزمني للأنبياء وأعمارهم ومواضع دفنهم! وهي تذكرني بقصة أصحاب الكهف، حيث اختلف المفسرون حول موقع كهفهم، والعصر الذي عاشوا فيه، واسم كلبهم؛ هل هو قطمير أو قنطير..! وهم بهذا يخالفون منهجية القرآن، في الدخول إلى (الحدث) وقطعه من شبكة (الأشخاص) و(الزمان) و(المكان) وإدخاله معمل (المطلق). ذهبت الأخت وهي تنقل هذه الفائدة (العلمية)، لتخبرنا أن آدم عاش ألف سنة! وأنه دفن في الهند! وأن "أخنوخ" (إدريس) عاش 865 عاماً! وأن نوح دفن في مسجد الكوفة، حيث لم تكن الكوفة موجودة وقتها! أما هود فلبث في قومه 464 سنة! ويمضي تقرير الشعوذة والخرافة الذي يعمم على بحر الإنترنت الأخضر، فيتم اغتيال العقل على نحو منظم، ليقول لنا إن زكريا نشر بالمنشار! وإن مريم عمّرت 53 سنة! وإن رأس يوحنا المعمدان مدفون في الجامع الأموي! كما هو الحال مع رأس الحسين وقبر السيدة زينب المدفونين في مائة مكان في العالم الإسلامي! أما أيوب فقد دفن بعد أن عمر قرناً في قرية "الشيخ سعد" القريبة من دمشق. وأنا أعرف القرى المحيطة بدمشق، وكنت أتجول فيها أخطب الجمعة، وأكتشف قرى تبعد كيلومترات عن العاصمة معطلة فيها صلاة الجمعة! أو تسلط عليها وعاظ السلاطين والمخابرات، ولا أذكر قرية سعد الميمونة! وشاهدي من هذه القصة أن العقل يمكن أن يسقط بسهولة في مطبات الخرافة، ومن أعلى المستويات، فالأخت التي أرسلت لي ما أرسلت، تكتب في أحدث المعلومات العلمية في الفيزياء النووية، وأخبار التاريخ وقصص الفلاسفة، لكن ينطلي عليها مثل هذا الزيف، فتمرر التناقضات ولا تشعر بحرج! وهو من أعظم العبر في استيلاء الخرافة على جملة البشر، ما لم ينفض الإنسان الوعي نفضاً، بعقل نقدي أمام كل خبر. وأذكر من كتاب "كفاحي" لهتلر، أنه أشار إلى صنفين من الناس هما معظم من يطالع، والإنترنت اليوم جريدة منشورة للأنام في كل مكان، فإما مصدق لكل شيء أو غير مصدق لأي شيء، والأمر ليس هذا ولا ذاك! وحين أستشهد بهئلر أو ماوتسي تونغ، أو حتى ما يذكر عن الشيطان وفرعون في القرآن الكريم، فمن أجل تحري الحقيقة المرة. وموضوع أعمار الأنبياء وترتيبهم الزمني، يتم التحقق منه بالرجوع إلى المصدر الأساسي، أي القرآن فهو كتاب الله المقروء، وإن لم يتضمن تفاصيل عن كل شيء في هذا الباب، لكنه وجهنا إلى مصادر للمعرفة لا تخطئ، أي التاريخ والكون، فهما كتاب إلهي من دون كلمات منطوقة. والقرآن يفيدنا أن إبراهيم وموسى جاءا في الصحف الأولى، أي عصر الكتابة، وهذا لم يتجاوز خمسة آلاف سنة، أما نوح فلم تأت آية واحدة تتكلم عن كتاب له أو صحف، ومعنى ذلك أنه جاء في عصر ما قبل الكتابة. وهنا يفيدنا علم الآركيولوجيا، في الكشف عن احتمالات العصر الذي جاء فيه نوح، من الكشوفات التي تمت عند البحر الأسود، بجوار مدينة "سينوب" التركية. حيث عثر في قاع البحر الأسود، على مخلفات من حياة مائية عذبة، مما حمل علماء الآركيولوجيا التاريخية، على التكهن بأن البحر الأسود لم يكن أسود ولا مالحاً، بل كان عذبا فراتا سائغا شرابه، ولم يكن من وجود لبحر مرمرة، أو مضيق الدردنيل، أو عتبة البوسفور، ثم حدثت الكارثة الكونية قبل 7500 سنة، حين ذابت طبقة الجليد فارتفع منسوب مياه المحيطات، لتفتح ثغرة الدردنيل، ثم تكسر عتبة البوسفور، ليتدفق ماء منهمر أقوى من شلالات نياجارا بـ400 مرة! فيحيل البحيرة الغناء إلى ملح أجاج وبحر أسود... ومن يريد معرفة شلالات نياجارا فليذهب لكندا لمواجهة جبروت الطبيعة وجلالها المخيف. وهكذا فلن نكشف آيات الله ما لم نستخدم الأدوات المعرفية المساعدة، فلا نصبح كمن يريد فتح جمجمة بأدوات فرعونية، وممارسة طب بتر الأعضاء، كما فعل أطباء الحرب الأهلية الأميركية، وحملات نابليون أو القراصنة. فأولئك جميعاً عاشوا عصرهم أما نحن فنمشي إلى الخلف على رؤوسنا دون أن نشعر بالدوار!