هناك ثورة هادئة تجتاح قطاع التعليم العام في الولايات المتحدة حالياً حيث تصر وزارة التعليم على قياس قدرات الطلاب سنويا، وإعادة النظر في نظام توزيع الدرجات، وعلى تقديم تعليم راق لجميع الطلاب بحيث يكونون قادرين على تحقيق الدرجات المطلوبة للنجاح أو ما يفوقها. والدراسة الجديدة التي قام بها "مركز السياسات التعليمية" والتي كشفت عن تحسن الأداء الطلابي وعن تضييق الفجوة بين مستويات أداء الطلاب في سائر أنحاء الولايات المتحدة، تقدم دليلاً يثبت أننا نسير على الطريق السليم. لكن هل نجاحنا في رفع درجات النجاح، يعني أننا نجحنا أيضاً في رفع الحواجز التعليمية التي كانت تفصل بين بعض المدارس وبين بعض الولايات؟ لقد أظهر تقرير صادر عن وزارة التربية الأسبوع الماضي أن المعايير المطبقة في الولايات المختلفة لقياس مستويات الطلاب في القراءة والرياضيات، كانت -في عمومها- تقل عن المعايير المحددة فيما يعرف بـ"التقييم الوطني للتقدم التعليمي" الذي يرمز له بالحروف(NAEP). ففي معظم الحالات تقريباً تبين أن المعرفة المطلوبة للحصول على درجات التفوق في امتحانات الولايات، كانت مقاربة للحد الأدنى لدرجات النجاح في تقييم (NAEP). وهناك دراسات أخرى أجريت في هذا الشأن أبرزت هذه الحقيقة. إن ذلك قد يشكل وقوداً لتوجه قد ينبع من واشنطن ويدعو إلى تطبيق "معايير وطنية" على مستوى الولايات المتحدة، وإلى امتحانات وطنية يتم إعدادها بواسطة الحكومة الفيدرالية. ولو تم اعتماد هذا التوجه فإنه سيمثل إجراءً غير مسبوق وغير حكيم. ذلك لأن المعايير" الوطنية" ليست مرادفة للمعايير "المرتفعة"، كما أنها لن تحقق سوى القليل فيما يتعلق بمعالجة فجوة الإنجاز بين الولايات. لكن ما الذي يجعلني اعتقد أن هذه المقاربة مغلوطة؟ أولاً: لأنها تتعارض مع التقاليد الأميركية التعليمية المستمرة منذ 200 عام. فحسب الدستور الأميركي فإن الولايات والمناطق الإدارية في كل ولاية هي التي تضطلع بالدور الرئيسي في منظومة التعليم العمومي؛ تُصمِم المناهج، وتدفع 90% من التكلفة. لذلك فمدارس المناطق تستحق إشرافاً من جانب قيادات تلك المناطق، وليس من موظفين بيروقراطيين يعملون على بعد آلاف الأميال منها. والدور الحقيقي لوزارة التعليم يتمثل في تقديم المساعدة للولايات والمناطق والمدارس، لجمع البيانات التي تساعدها على اتخاذه القرارات السليمة. والولايات التي أظهرت قدرات قيادية، مثل "اركنساس" و"ماساشوسيتس"، يمكن أن تلهم الآخرين في هذا المجال. ثانياً: إن الجدل حول المقاييس الوطنية سيتحول إلى ممارسة لما يعرف بـ"الحد المشترك الأدنى" وهي ممارسة رأيناها مراراً من قبل، وكان آخرها ما حدث خلال الصراع الانقسامي حول معايير التاريخ الوطني في تسعينيات القرن الماضي. ويذكر أن التقرير الشهير الذي صدر عام 1983 تحت عنوان "أمة في خطر"، قد دعا إلى "إنجاز اختبارات موحدة... كجزء من نظام وطني للامتحانات في الولايات والمناطق بهدف كبح الاتجاه المتزايد نحو الاكتفاء بالحد الأدنى من الإنجاز في مدارسنا". فبدلاً من التفويضات المقدمة من جهات أعلى لجهات أدنى، فإننا يجب أن نشجع الجميع على التسابق نحو بلوغ الذروة. منذ خمس سنوات خلت، لم تكن العديد من الولايات تجري بشكل منتظم قياساً لأداء الطلاب وفقاً لمعايير (NAEP) الصارمة. وخطة الرئيس لإعادة التفويض بقانون "عدم ترك أي طالب من دون تعليم"، تطالب الولايات بأن تضع الدرجات التي يحققها طلابها في الامتحانات جنباً إلى جنب مع معايير (NAEP) وأن تعمل على المقارنة وتحقيق التماثل بينها. ولو تحقق ذلك فسيزيد الشفافية في هذا المجال من ناحية، كما سيدفع القيادة السياسية في كل ولاية إلى العمل من أجل رفع مستويات الأداء والإنجاز فيها. ونحن نرى الآن علامات مشجعة على حدوث تغيير إيجابي في هذا السياق. فالولايات تعمل على أن تكون مستويات الأداء في المدارس العليا متوازية، مع مستويات الأداء في الكليات ومتفقة مع توقعات سوق العمل. وقد تبنت العديد من المدارس والكليات منهجاً أساسياً يتكون من منهج فرعي لدراسة اللغة الإنجليزية لمدة أربع سنوات ودراسة العلوم والرياضيات لمدة ثلاث سنوات. وفي الفترة الأخيرة أعلنت 9 ولايات نيتها إجراء امتحان تقييمي في الجزء الثاني من مادة الجبر وهو تطور مهم أيضاً. علاوة على ذلك وافق 50 حاكماً من حكام الولايات على تبني إجراء مشترك فيما يتعلق بمعدلات التخرج للمساعدة على حل مشكلة التسرب المدرسي. ويشير تقرير صادر عن تحالف" اتشيف إنكوربيريشن"، وهو تحالف مكون من الحكام وقادة الأعمال ويعمل من أجل رفع معايير الأداء، إلى أن "هناك زخماً في الوقت الراهن يزيد بكثير عن ما كان موجوداً في أي وقت منذ عام 1983. إن منهجنا هو العمل من أجل مصلحة الطلاب في المقام الأول. ووفقاً لـ(NAEP)، فقد تحقق تقدم في مجال القراءة لدى الطلاب البالغين من العمر 9 سنوات خلال الفترة بين 1999 و2004، وهو تقدم يزيد عما تحقق في الثمانية وعشرين عاماً السابقة على ذلك مجتمعة. فدرجات مادة الرياضيات وصلت إلى أعلى مستوى لها في جميع المراحل، كما أن درجات مادة التاريخ قد ارتفعت هي الأخرى في المراحل الرابعة والثامنة والثانية عشرة، كما ارتفع أيضاً عدد الطلاب الذين يتقدمون لامتحان تحديد المستوى المتقدم في المدارس العليا بنسبة 39% منذ عام 2000. وليس من شك في أن مبدأ المساءلة سينير لنا الطريق، لكن يجب أن نعرف أن المعايير المرتفعة هي التي ستوصلنا إلى تحقيق ما نرجوه، خصوصاً بعد أن هدمنا الحاجز الذي كان قائماً ذات يوم بين المدارس وأولياء الأمور. إن هدفنا في النهاية هو تحقيق نظام تعليمي عمومي شفاف، ويتمتع بقدرة عالية على الاستجابة لاحتياجات الطلاب والآباء وليس لنزوات واشنطن. مارجريت سبيلنجز ــــــــــــــــ وزيرة التعليم الأميركية ــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز والواشنطن بوست"