صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها لهذا الأسبوع، كتبت مقالة بعنوان "عار في تاريخ أميركا: معتقل جوانتانامو". الصحيفة أدانت استمرار اعتقال مئات الأشخاص هناك دون تقديمهم إلى محاكمة عادلة، وطالبت الرئيس الأميركي بوضع نهاية للمعتقل الذي لطخ تاريخ بلد الحريات، على حد قولها. الرئيس الأميركي خلال اجتماع قمة الثماني الكبار، أعرب عن انزعاجه لاستمرار اعتقال أيمن نور رئيس حزب "الغد" واعتبر ذلك أمراً مقلقاً ويمس الحريات العامة. تصوروا معي لو أن دولة أخرى غير الولايات المتحدة الأميركية قامت بفتح معتقل جوانتانامو وقامت بنقل المعتقلين وزجت بهم في السجون دون تقديمهم للمحاكمة... كيف لنا أن نتصور الموقف الأميركي؟ بكل تأكيد ستشن الإدارة الأميركية حملة عالمية ضد المعتقل وستطالب دول العالم بتوقيع عقوبات على هذه الدولة لعدم احترامها مبادئ حقوق الإنسان! يا ترى هل تتجرأ دولة عربية أو أجنبية أن ترفع الأمر إلى الأمم المتحدة، وتطالب بتحقيق دولي كما حدث في حالة مقتل الحريري في لبنان! أوروبا القديمة لها تاريخ عريق في الحريات وشعوبها خرجت بمظاهرات صاخبة في حرب أميركا على العراق، لكن لا يبدو أن أوروبا قادرة على مواجهة الهيجان الأميركي، ولا يبدو أن تاريخها العريق يحرك مشاعر حكوماتها، أما شعوبها ومنظماتها المدنية فهي من يتصدى لاستمرار ذلك المعتقل. في الحالة العربية، حكوماتنا بكل تأكيد لن تجرؤ على إثارة الموضوع، فهي لم تعد تملك قرارها ولا ترغب بإثارة الحليف الأميركي. لكن المحزن في الأمر أن منظماتنا المدنية لم تتعامل مع القضية من جوانبها الإنسانية وتتحرك على ضوء ذلك، بل ربما وقفت مع الجانب الأميركي على اعتبار أن من يقبعون في المعتقل هم من الراديكالية الإسلامية ولا ضير في التعامل معهم بقسوة. الخلاف بيننا وبين المنظمات الأوروبية أنها تنطلق من ثوابت راسخة فيما يخص الحريات وحقوق الإنسان، بينما في العالم العربي لا بأس في أن تعتقل السلطة مخالفيها في الرأي والموقف، بل إن كثيراً من القوى الليبرالية تسهم في تحريض السلطة ضد خصومهم. وطبعاً فإن الأمر نفسه ينطبق على المنظمات والقوى الإسلامية السياسية، ففي حال تعرض من تختلف معه للاعتقال من قبل السلطة، فإن ذلك لن يثير لديها سوى الفرحة ويدفعها لمزيد من التأييد لسلوك السلطة الباطشة. "معتقل العار"، كما أسمته "نيويورك تايمز" الأميركية، نعتبره عاراً في تاريخ الإنسانية كلها، وإن استمرار الاعتقال هو بمثابة ثقب في جدار قيم الحرية الإنسانية التي نصت عليها قوانين حقوق الإنسان. الولايات المتحدة الأميركية تدافع عن المعتقل وتحاول أن تبرر استمرار الاعتقال عبر استخدامها لمبررات غير عقلانية. العالم يواجه تحدياً كبيراً في وقف مثل هذه الممارسات اللاإنسانية، خصوصاً أن قيم الحرية لا تتجزأ ولا ترتبط باختلاف عقائد البشر وألوانهم وأجناسهم. المأساة المحزنة أننا نطالب بإصلاحات سياسية دون أن نعي أهمية فهمنا العميق لمعاني الحرية، أو نتعلم من تجارب الدول الأخرى في فهمها للحرية والديمقراطية باعتبارهما مواثيق إنسانية تحمي كرامة الإنسان. كما لم نتعلم أنه بإمكاننا أن نختلف دون أن يمزق أحدنا كرامة الآخر. الشعوب التي تفرح للضر الذي يقع على بعضها ممن تختلف معه، لا تملك المقدرة على الدفاع عن الحريات وهي فاقدة للمصداقية ولا تحظى باحترام العالم. كان يفترض من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن تتحرك وفق رؤية عقلانية تعيد للحرية معانيها وتثبت للعالم أن "معتقل العار" هو أكبر إساءة للحريات التي تنادي بها أميركا وأنه لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تنصب نفسها دولة راعية للحريات، وهي في الوقت ذاته تمارس أبشع أنواع المهانة ضد الإنسانية.