الأحوال الأمنية المتدهورة في دارفور، وهو إقليم سوداني يعادل فرنسا في المساحة، تعرض للخطر أكبر عملية مساعدات إنسانية تقوم بها الأمم المتحدة في الوقت الراهن. فقوافل الإغاثة التابعة للمنظمة الدولية، تحولت إلى أهداف بشكل يكاد يكون يومياً، حيث يتم اختطاف سياراتها أو تتعرض للسرقة تحت تهديد السلاح أو لإطلاق النيران دون سابق إنذار. وفي بعض الحالات أُجبر رجال الإغاثة على التخلي عن العمليات التي يقومون بها في المعسكرات النائية، كما أُجبروا في حالات أخرى على السفر بالهليوكوبتر إلى بعض المناطق، وهو ما كان يؤدي إلى زيادة تكلفة توصيل الأغذية الحيوية، والمأوى، والمساعدة الطبية اللازمة لما يقارب 4 ملايين شخص. يذكر أن السودان وافق أخيراً -من حيث المبدأ- على السماح لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالعمل في دارفور، ولكن ليس من المتوقع لتلك القوات أن تصل قبل العام المقبل. ويقول السيد "سايمون كريتل" المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي، إن الوضع في دارفور مضطرب، ومتداخل، غير أن الفشل هناك ليس خياراً وراداً، لأن المساعدات التي يقدمها البرامج توفر الغذاء للملايين من البشر. ولكن المشكلة التي يواجهونها هناك تكمن في عدم قدرة رجال الإغاثة على التمييز بين المقاتلين ورجال العصابات والعناصر التابعة للحكومة، مما جعل من عملية توصيل الطعام للأشخاص الذين يحتاجونه حقاً مسألة غاية في الصعوبة. ويقول العاملون في مجال الإغاثة في دارفور إن الصراع في الإقليم قد تحول من صراع ذي خطوط واضحة، يتواجه فيه رجال المليشيا العرب المدعومون من الحكومة مع المتمردين السود، وتمارس فيه عمليات عرقية صنفتها الأمم المتحدة بأنها "عمليات إبادة" إلى صراع مختلف تتداخل فيه الخطوط، وتبهت الحدود إلى درجة كبيرة، مما يجعل من الجهود الرامية لحل الصراع ومساعدة غير المقاتلين مسألة أكثر صعوبة مما كانت عليه. ويعلق "ألون ماكدونالد" المتحدث باسم منظمة" أوكسفام" في الخرطوم على ذلك بقوله: "إن الطريقة التي تم تصوير الصراع بها في البداية، وهي أنه صراع بين العرب والأفارقة، ربما كانت صحيحة من قبل، ولكن ذلك لا ينطبق على الوقت الراهن، حيث نجد أن تلك الصورة قد أصبحت مُعقدة إلى حد كبير، حيث تحارب قبائل عربية قوات الحكومة، وتتصارع قبائل أفريقية مع بعضها بعضاً. وبعد انقسام المجموعات المتمردة الثلاث الرئيسية إلى ما يزيد على اثنتي عشرة مجموعة، تقوم معظمها على ولاء لشخص معين أو قبيلة، فإن تلك المجموعات اتجهت إلى السلب والنهب من خلال النيل من الأهداف الرخوة المتمثلة في موظفي الإغاثة الذين يمتلكون الكثير من السيارات، والأموال، ومعدات الاتصال والكثير من الأشياء، التي تحتاجها الحركات المتمردة. وفي الأسبوع الماضي حذر "مانويل إراندا دا سيلفا" رئيس عمليات الإغاثة التي تقوم بها الأمم المتحدة في السودان، خلال آخر مقابلة أُجريت معه قبل تركه لمنصبه من أن: "الأمن في السودان، قد أصبح أسوأ الآن مما كان عليه من قبل... وهو ما يستدعي من الأمم المتحدة والحكومة السودانية البدء في المفاوضات مجدداً، وإلا انتهى الأمر بكارثة للسودان". هذا في الوقت الذي يوجد فيه اختلاف حول أسباب الصراع وطرق حله، حيث تتهم الولايات المتحدة الحكومة السودانية بتسليح القبائل العربية بشكل متعمد، كي تمارس الإبادة الجماعية ضد القبائل الأفريقية، في حين تقول الحكومة السودانية وكثيرون غيرها إن دارفور يمثل مشكلة محلية تدور حول النزاع على موارد المياه والأراضي، وإن كان الجميع يتفقون على أن نتائج الوضع الحالي في دارفور كارثية وأنها معرضة للمزيد من التفاقم. وتقدر مصادر الأمم المتحدة عدد السودانيين الذين لقوا حتفهم في الصراع بـ200 ألف شخص، بالإضافة إلى 2.5 مليون شخص آخرين نزحوا عن ديارهم و4 ملايين آخرين أصبحوا معتمدين على الإغاثة التي تقدمها الأمم المتحدة للبقاء على قيد الحياة. يذكر أن اتفاقية دارفور للسلام، قد دخلت حيز التطبيق منذ ما يزيد على عام، وهو ما يفترض معه أن يكون إقليم دارفور قد قطع شوطاً على طريق استعادة العافية، غير أن هذا لم يحدث بالصورة التي كانت مأمولة. وفي هذا السياق يقول "جورج سومرويل" المتحدث باسم مهمة الأمم المتحدة في السودان: "لقد خفّت حدة القتال بين الجماعات المسلحة غير الموقعة على اتفاقية السلام إلى حد ما... ولكن الخروج على القانون المتمثل في اختطاف السيارات والسرقة أسوأ من القتال بكثير، حيث يتحول الأمر إلى وضع يقول فيه الخارج على القانون لرجل الإغاثة: أيها الأجنبي إنك تملك أشياء معينة ونحن في حاجة لهذه الأشياء وسوف نأخذها". يذكر أن قوة الاتحاد الأفريقي العاملة في دارفور، وقوامها 7000 رجل، عجزت عن إيقاف القتال، أو القضاء على ظاهرة قطع الطريق. وأن الحكومة السودانية قد وافقت من حيث المبدأ على السماح بدخول قوة مكونة من 15 ألف جندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى السودان. وكان حجم هذه القوة مصدراً لقلق المسؤولين السودانيين الذين ما انفكوا يتساءلون عما إذا كانت تلك القوة ستكون تحت إمرة الأمم المتحدة أم إمر ة الاتحاد الأفريقي؟ والأمر المتوقع الآن هو أن الأمم المتحدة ستتولى الإشراف على الإمدادات والشؤون اللوجستية، وأن قيادات مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ستتولى السيطرة على القوات العاملة في القرى -وهي قوات أفريقية في معظمها. ومن المنتظر أن يكون مسؤولون من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والسودان قد اجتمعوا بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال اليومين الماضيين، لمناقشة هذه القوة المختلطة. ومن المتوقع، خلال الأسبوع الحالي، وصول مسؤولين من مجلس الأمن الدولي إلى المنطقة لإجراء محادثات، قد تشمل المناقشات الدائرة حالياً حول موضوع التدهور الأمني في دارفور. ليس من السهل تكوين صورة شاملة عن انعدام الأمن في دارفور، ولكن الدلائل العديدة المتوفرة، تبين أن العنف يتزايد، وأن موظفي الأمم المتحدة، يعانون جراء ذلك. وكان من المفترض أن تؤدي اتفاقية دارفور للسلام التي تم توقيعها بين المتمردين وبين الحكومة السودانية، إلى إيجاد حل لكل هذا، بيد أن المشكلة تكمن في أن هناك مجموعة متمردة واحدة "جيش التحرير السوداني" بقيادة "مينّي مينّاوي"، هي التي وقعت على تلك الاتفاقية، في حين وقعت الحكومة بالنيابة عن القبائل العربية. وكنتيجة لذلك التوقيع تقلص نفوذ "مينّاوي" وانفصل مؤيدوه عنه، إما لإنشاء جماعات خاصة بهم، أو للانضمام إلى جماعات متمردة أخرى. ويقول "جان ألياسون" المبعوث الخاص للأمم المتحدة إنه منذ ثلاثة أسابيع فقط، كان عدد حركات التمرد 9 جماعات، أما الآن، فإن هذا العدد قد وصل إلى 12 جماعة، وقدم السيد "إلياسون" خريطة طريق لمجلس الأمن الدولي بهدف إحياء عملية السلام، حيث يتوقع أن يبدأ في عملية دبلوماسية مكوكية في نهاية شهر يونيو الحالي للإعداد لمفاوضات سلام، وقال إنه يأمل أن يتمكن من إطلاق مراحل تلك المفاوضات رسمياً في نهاية الصيف الحالي. سكوت بالدوف محرر الشؤون الخارجية في "كريستيان ساينس مونيتور" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونتيور"