في 1953، قامت امرأة أميركية تدعى كلاريس كوفورت بقتل زوجها النائم بضربة فأس في قاعدة "أبار هيفورد" العسكرية في إنجلترا. وفي اليوم التالي، اعترفت كوفورت بفعلتها الشنعاء لطبيب نفساني بالقاعدة الجوية حيث كان يعمل زوجها. ونتيجة لذلك، تمت إدانتها بجريمة القتل بسرعة، ليس في محاكمة تحضرها هيئة المحلفين، وإنما في محكمة عسكرية أميركية. ربما طوى النسيان هذه الجريمة؛ إلا أن القضايا التي أعقبت الحكم بالإدانة أسست لمبدأ قانوني على قدر كبير من الأهمية يمكن تطبيقه اليوم في الحرب على الإرهاب. ذلك أن قضية كوفورت، التي تميزت بنطق المحكمة العليا في شأنها مرتين، دعمت للمرة الأولى المبدأ القائل بتطبيق وثيقة الحقوق حتى خارج حدود الولايات المتحدة. حيث رأت المحكمة أن خضوع كوفرت للمحاكمة في الخارج لا يعني حرمانها من الحق في هيئة محلفين مثلما يكفل ذلك التعديل الدستوري السادس- وأن الحكومة لا تتمتع بسلطة مطلقة فقط لأن المحاكمة جرت في الخارج. اليوم، يخضع هذا المبدأ للاختبار، ولاسيما في ما يتعلق بالسياسة الأميركية التي تملي أسماء المتهمين بالإرهاب المعتقلين في الخارج في خليج جوانتانامو بكوبا. والواقع أنه إذا لم تعتقل إدارة بوش أي مواطن أميركي هناك، فالفضل في ذلك يعود لقضية "ريد ضد كوفورت" التي شكلت سابقة قضائية في الولايات المتحدة. واليوم، ينتقل الجدل إلى المستوى التالي؛ فبينما تجادل الحكومةُ بأن السابقة تنطبق فقط على الأميركيين، مستنتجة أنها حرة في اعتقال ومحاكمة الأجانب بدون الحماية التي توفرها وثيقة الحقوق طالما أنها تقوم بذلك خارج تراب الولايات المتحدة، يجادل آخرون بضرورة توسيع إعمال هذا المبدأ إذ يرون أنه وفاءً لروح هذه السابقة القضائية، فإنه ينبغي تطبيق "وثيقة الحقوق" على الأجانب أيضاً، وأن على وثيقة الحقوق أن تُذكِّر الحكومةَ الفيدرالية بحدودها القانونية عندما تتعامل مع أجانب خارج تراب الولايات المتحدة، تماماً مثلما تُذكِّرها بحدودها القانونية عندما تحاكم أجانب في الداخل. وهو ما من شأنه أن يبعث بإشارة مهمة مؤداها أن الولايات المتحدة تتقيد بدستورها، وهو وثيقة تخلق توازناً بين الجهاز التنفيذي والجهاز القضائي والجهاز التشريعي، وترفض سلطة تنفيذية سائبة. لقد رأت المحكمة العليا في البداية -عام 1956- أن محاكمةَ كوفورت محاكمةً عسكرية عملٌ ينسجم مع القانون. ولكنها سرعان ما انقلبت على هذا الرأي العامَ التالي حيث أعلنت: "إننا نرفض فكرة أن الولايات المتحدة يمكنها أن تتغاضى عن وثيقة الحقوق عندما يتعلق الأمر بمواطنين أميركيين في الخارج"، مضيفة أن الحكومة الفيدرالية هي من صنع الدستور؛ وبالتالي، فعليها أن تتصرف انسجاماً مع الدستور -أينما يتم تطبيقه. ولا يهم ما إن كان السجن أو المحكمة مؤجران من كوبا أو يقعان في كارولينا الجنوبية. إن التمسك بهذه المبدأ بشكل أوسع -وتطبيق هذه الحماية الدستورية على الأجانب المعتقلين من قبل الحكومة الأميركية في أي مكان- لن يغير كثيراً أركان سياسة اعتقال الإرهابيين. غير أن ما يفعله بالمقابل هو أنه سيسمح للمحاكم بلعب دور أكبر لضمان إطلاق سراح الأفراد الأبرياء. كما سيمنع الرئيس من الالتفاف على الدستور عبر التصرف في بلد آخر بدعوى أن وثيقة الحقوق لا تنطبق سوى على المواطنين الذين يُعتقلون ويحاكمون على الأراضي الأميركية. كال روستيالا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مدير مركز رونالد بوركل للعلاقات الدولية وأستاذ القانون والدراسات العالمية بجامعة كاليفوريا - لوس أنجلوس. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست"