دوغلاس لوت: تجميل الحرب أم كبح التدهور؟! فيما كان الجدل مستعِراً بين البيت الأبيض والكونغرس حول بقاء القوات الأميركية في العراق، وزيادة عددها، واعتماد النفقات المالية للحرب... أعلنت إدارة جورج بوش فجأة إنشاء منصب جديد أطلقت عليه "قيصر الحرب" يتولى شاغله إدارة الحرب الأميركية في كل من العراق وأفغانستان، ويكون صلة الوصل بين الوكالات والأجهزة الأميركية المختصة بشؤون الحرب. وسرعان ما وقع اختيار الرئيس بوش على الجنرال "دوغلاس لوت" ليصبح أول من يتولى ذلك المنصب لدى استحداثه للمرة الثانية في تاريخ الولايات المتحدة، بعد أن ابتدعه الرئيس "فرانكلين روزفلت" خلال الحرب العالمية الثانية. وفي شهادته أمام مجلس الشيوخ خلال جلسة تثبيته يوم الجمعة الماضي، أيد "لوت" ضمناً ما قيل من أن تخفيض القوات الأميركية في العراق قد يكون عنصراً محفزاً لدفع الزعماء السياسيين العراقيين لتحقيق مصالحة سياسية! فما هي سلطات منصب "قيصر الحرب" الجديد؟ وما هي مهماته؟ وهل سيمكنه تغيير الاتجاه المتفاقم لسير التطورات الجارية في المستنقع العراقي خاصة؟ باعتباره "قيصر الحرب" الجديد للبيت الأبيض، سيشرف "لوت" على السياسة وتنفيذ العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان، وسيقدم تقاريره مباشرة إلى بوش حول الأوضاع الميدانية، وسيصدر توجيهاته إلى الوزراء باسم بوش... بمعنى أن "لوت" سيكون مساعد الرئيس للعمليات القتالية، ونائب مستشار الأمن القومي. ووفقاً للبيت الأبيض، فإن مهمة "لوت" تتلخص في تنسيق جهود السلطة التنفيذية لدعم القادة العسكريين والدبلوماسيين على الأرض في العراق وأفغانستان، أي "للتغلب على البيروقراطية وتطبيق السياسات الحالية على أفضل ما يكون". وقد برر البيت الأبيض إنشاء هذا المنصب، الآن وليس قبل الحرب، بقوله إن الإدارة اكتشفت حقيقة أن "التنفيذ والتطبيق أكثر أهمية من تطوير السياسات". أما عن صلاحيات "لوت" في منصبه الجديد، فهو مخولٌ سلطة إصدار التوجيهات إلى وزارتي الدفاع والخارجية، وباقي الوكالات والأجهزة الأميركية ذات الصلة، بهدف الاستجابة السريعة والفعالة لحاجيات الأميركيين في مناطق المواجهة. لكن على رغم ذلك فإن "لوت" عُين في "منصب غامض"؛ حيث لم يرد توضيح دقيق لصلاحياته وحدود مهامه، فهي تقريباً الصلاحيات والمهام نفسها المسندة إلى قائد أركان القيادة الوسطى العسكرية الأميركية، وربما هي جزء من صلاحيات وزير الدفاع وجزء من صلاحيات مستشار الأمن القومي أو رئيس البيت الأبيض نفسه... مما يخلط الأوراق ويربك تسلسل القيادة. لكن من غير المؤكد إن كان "لوت"، وهو جنرال مغمور، سيملك ما يكفي من النفوذ لتوجيه كبار المسؤولين في الخارجية والبنتاغون. إلا أن بوش يراهن على الكفاءة العالية لدوغلاس لوت، والذي يأتي إلى وظيفته الجديدة على خلفية مهنية ممتازة؛ إذ يعد "قائداً عسكرياً بارعاً، يفهم الحرب والإدارة ويعرف كيف ينجز مهامه". وقد تخرّج "لوت"، البالغ من العمر 54 عاماً والمولود في مدينة مشيغن بولاية إنديانا، من الأكاديمية العسكرية الأميركية في "وست بوينت" عام 1975. وإثر ذلك انضم إلى الفوج الثاني في فرقة سلاح الفرسان العاملة في ألمانيا. وبعد أربع سنوات عاد إلى كلية "وست بوينت" العسكرية مدرّساً. وقبل عودته كضابط عمليات في سلاح الفرسان، تلقى تكويناً في الكلية العسكرية البريطانية، ثم شارك مع فوجه في حرب "عاصفة الصحراء" (1991). وفي الفترة بين عامي 1992 و1994 قاد الكتيبة الأولى من الفوج السابع في سلاح الفرسان، ثم عمل في إدارة الخطط والسياسات الاستراتيجية التابعة لهيئة الأركان المشتركة. وبين عامي 1998 و2000 قاد "لوت" الفوج الثاني في فرقة سلاح الفرسان، ثم أصبح مساعداً لرئيس هيئة الأركان المشتركة خلال 14 شهراً، قبل أن يعود مرة أخرى إلى ألمانيا كنائب لقائد فرقة المشاة. وفي عام 2002 شارك في حرب كوسوفو، قبل أن يلتحق بالقيادة الأميركية في أوروبا في يناير 2003 كنائب لرئيس العمليات. وبعد ذلك عين، أواسط 2004، مديراً للعمليات في القيادة العسكرية الأميركية الوسطى، حيث أشرف على العمليات القتالية في العراق وأفغانستان، فضلاً عن عمليات أخرى في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقرن الأفريقي. ثم كلف في سبتمبر 2006 بمهام مدير العمليات في هيئة الأركان المشتركة، وهي الوظيفة التي ظل فيها إلى أن عينه بوش "قيصراً للحرب" يوم 17 مايو المنصرم. وعلى رغم أن ذلك القرار ليس خاضعاً لمصادقة الكونغرس، فإنه يتطلب مصادقة مجلس الشيوخ، باعتبار "لوت" ضابطاً كبيراً يؤدي مهمة حيوية. وحقيقة الأمر أنها مهمة "حيوية" وعسيرة جداً، لاسيما في شقها العراقي، حيث تتضافر التحديات خارج متناول يده. وقد سبق لجنرالات آخرين ممن أوفدهم بوش إلى العراق، مثل ريكاردو سانشيز وجون أبي زيد وجورج كيسي وديفيد بيتراوس... أن أخفقوا في كبح التدهور الميداني أو إرساء نهج للتعاطي مع مستنقعه اللزج، ما جعل الجنرال بيتراوس يعلن بعد وصوله بغداد (8 مارس 2007)، أن "الحرب في العراق لا يمكن حسمها عسكرياً، ولابد من الحل السياسي ومصالحة الجماعات المتضررة"! لذلك السبب نرى أن ثلاثة جنرالات عُرِض عليهم منصب "قيصر الحرب"، ردوا بالسلب؛ فمهمة من يشغل المنصب الجديد ستقتصر على تنفيذ السياسة الحالية وليس إعادة التفكير فيها، ومع ذلك فسيتحمل جزءاً من المسؤولية عن حربٍ تبدو خاسرة بكل المقاييس. كما أن استحداث المنصب ذاته، قد يكون مجرد محاولة أخرى لتجميل وجه الحرب فيما تبقى من ولاية بوش الأخيرة. وإن أعلن أنه سينفذ استراتيجية بوش بحذافيرها، فإن "لوت" كمدير لعلميات رئاسة الأركان كان قد شكك (العام الماضي) في جدوى زيادة عديد القوات الأميركية في العراق، وأعلن أنه ما من حلول عسكرية صرفة للنزاع، لذلك فقد تلقى معارضو الحرب نبأ اختياره للمنصب الجديد، بارتياح واضح، بينما شكك "صقور" الإدارة في إخلاصه لاستراتيجية بوش، مثلما وجهوا إلى الأدميرال ويليام فالون الرئيس الجديد للقيادة الوسطى الأميركية، ومعه وزير الدفاع روبرت غيتس، تهمة السعي إلى تقليص التورط الأميركي في العراق! وختاماً يجب أن نلاحظ أن "لوت" بحكم مواقعه خلال السنوات الأربع الأخيرة، كان على صلة مباشرة بحربي أفغانستان والعراق، فماذا عساه يكون قد ادخر من تلك التجربة وإخفاقاتها لمنصبه الجديد؟ محمد ولد المنى