مع انتهاء فصل الربيع في أفغانستان، يشعر مزارعو نبات الخشخاش بالحبور، لاسيما وأن الأمطار هذا العام تساقطت بكثافة مبشرة بموسم حصاد جيد. والواقع أن أفغانستان لا تحتاج إلى عام زراعي جيد، إذ تنتج لوحدها ما يعادل تسع مرات إجمالي الإنتاج العالمي من الأفيون. وفي حين كان محصول السنة الفائتة الأوفر من نوعه في أفغانستان، يتوقع المراقبون أن يفوق محصول العام الحالي سابقه. ويشكل الانفجار الذي تشهده أفغانستان في مجال تجارة المخدرات، مصدراً رئيسياً لانتشار الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد، لكنه يشكل أيضاً أحد الأعراض الواضحة لغياب حكومة قوية تتصدى لزراعة نبات الخشخاش وتحويله إلى مخدرات موجهة للخارج. والأكثر من ذلك أن الأمر لا يتعلق فقط بتجار مخدرات أشرار يستغلون ضعف الحكومة لتسهيل العمليات الإرهابية والتعاون مع المتمردين، بل ينطوي الأمر على ضلوع مسؤولين حكوميين فاسدين لا يتورعون عن الدخول في تحالفات مشبوهة مع جماعات التمرد، بما فيها "طالبان"، لحماية أعمالهم غير الشرعية وتأمين طرق التوزيع. وليس المهم في الحرب على المخدرات التركيز على الحلول السياسية السريعة، دون أن يعني ذلك إلغاء تلك الحلول القادرة على إضعاف تجارة المخدرات المنتعشة في البلاد، بل المطلوب هو الاهتمام بالسياسات ذات الأثر البعيد والكفيلة بمعالجة المشكلة من جذورها. لكن في أفغانستان يعتبر الحديث عن السياسات الفاشلة في مجال مراقبة المخدرات، أسهل من الحديث عن نظيرتها الناجحة. فعلى سبيل المثال لن تنجح جهود استئصال زراعة الخشخاش في أفغانستان، كرش المحاصيل بالمبيدات عبر الجو، كما نصحت بذلك الولايات المتحدة. فهي قد تساهم مؤقتاً في خفض الإنتاج، لكنها ستدفع بالأسعار نحو الارتفاع، ما يشكل في حد ذاته حافزاً قوياً على مضاعفة الإنتاج في العام الموالي. والأسوأ من ذلك أن عمليات القضاء على المحاصيل ستصب في مصلحة التجار الذين يتوفرون على مخزون هائل سيبيعونه بأسعار مرتفعة مع احتمال دفع المزارعين الذين ضاع مورد رزقهم الوحيد إلى أحضان التمرد. السياسة الأخرى الفاشلة، والتي رُوج لها مؤخراً، تتمثل في تشريع زراعة الخشخاش أو الترخيص بإنتاجه لأغراض طبية. لكن الحل المقترح يعالج مشكلة غير موجودة أصلاً ويفشل في التصدي للمعضلات القائمة فعلاً. فحسب الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، هناك ما يكفي من العرض لتلبية الاحتياجات الطبية من المخدرات. وحتى لو تبين وجود نقص في تلك الاحتياجات، فإن أفغانستان تعتبر آخر دولة يمكن التعويل عليها لتلبية الطلب. فإذا كانت دول معروفة مثل تركيا والهند وأستراليا، مرخصة دولياً بإنتاج المخدرات الموجه أساساً لتلبية الاحتياجات الطبية، فلأنها تنعم بالاستقرار ولا تشهد نزاعاً مسلحاً، كما أن حضور الدولة بها قوي وقادر بالتالي على مراقبة المخالفين وفرض القانون. ولو فحصنا المقاربة الأخيرة من وجهة نظر اقتصادية بحتة، لاكتشفنا صعوبة تطبيقها، ذلك أن السبب الوحيد الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأفيون هو عدم قانونيته. وما أن يتم الترخيص لإنتاجه حتى يتراجع سعره ويتخلى المزارعون عن إنتاجه، بل وأكثر من ذلك، لن يتجه المزارعون إلى إنتاج الأفيون بطريقة قانونية وخاضعة لمراقبة الدولة في ظل وجود سوق سوداء مزدهرة تشتري المنتج بسعر مرتفع. فحسب التقرير الأخير للأمم المتحدة والبنك الدولي، يوجد في أفغانستان ما بين 25 إلى 30 شخصا يديرون تجارة المخدرات في البلاد. هؤلاء يتعين على الحكومة التدخل ضدهم بمصادرة ممتلكاتهم وإخضاعهم للمحاكمة، وإذا اقتضى الأمر ترحيلهم إلى الولايات المتحدة أو أوروبا. وفي هذا الإطار يتعين على حلف شمال الأطلسي دعم قوات مكافحة المخدرات التابعة للحكومة الأفغانية بهدف تدمير المختبرات والمخازن ورصد شحنات المخدرات وملاحقتها. كما يتعين على المجتمع الدولي متابعة الشبكات الإقليمية الناشطة في المنطقة والتي تمتد إلى باكستان وإيران والضغط على السلطات الباكستانية لمراقبة الحدود ومعاقبة المتورطين من الحرس. وبالطبع من الصعب معالجة معضلة زراعة المخدرات من دون التركيز على الطلب العالمي المتزايد، لكن مع ذلك، لابد من تطهير الحكومة الأفغانية نفسها من المتورطين والمفسدين الذين يلعبون دوراً مهماً في تسهيل تجارة المخدرات في البلاد. نيك جرونو وجوانا ناتان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضوا هيئة تحرير "كريستيان ساينس مونيتور" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور