في يونيو عام 1967، ولإدراكها حتمية الحرب، وأيضاً ليأسها وشعورها بما يطلق عليه إسرائيليو اليوم "الخوف الوجودي"... استبقت إسرائيل العرب وشنت حربها ضدهم. وكانت النتيجة مفاجأة لها بكل المقاييس... فبعد ستة أيام فقط، وجدت أنها قد اكتسحت أعداءها، واحتلت غزة والضفة الغربية والجزء العربي من مدينة القدس، بالإضافة إلى صحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية. بالنسبة لمعظم الإسرائيليين، بدا هذا النصر المُبهر وكأنه هدية من السماء، حيث وفّر لإسرائيل أمناً جغرافياً وعسكرياً لم تكن لتحلم به، وبدا ذلك حينها وكأنه ضمانة لمستقبلها. كان السؤال الذي واجه إسرائيل آنذاك هو: ماذا تفعل بهذا النصر؟ لقد كان هناك دائماً صهاينة وأقليات دينية أصولية يهودية يراودها الطموح لاستكمال حرب 1948 وضم كل ما تبقى من فلسطين... لكن التقييم العملي كان مختلفاً. في كتابه المنشور حديثاً بعنوان "1967: إسرائيل والحرب، العام الذي غيَّر الشرق الأوسط"، يكشف المؤرخ الإسرائيلي" توم سيجيف" أنه قبل اندلاع الحرب بستة شهور توصل جهاز "الموساد" والاستخبارات العسكرية ووزارة الخارجية إلى اتفاق مؤداه، أنه ليس من مصلحة إسرائيل الاستيلاء على الضفة الغربية، لأنها لو فعلت ذلك فستواجه مشاكل غير قابلة للحل، فيما يتعلق بالسيطرة على مليوني فلسطيني وتدبير أمورهم. كان ثمة حينئذ إسرائيليون يتمتعون ببصيرة نافذة، دعوا في نهاية "حرب الأيام الستة" إلى سحب الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إسحاق رابين" يريد قيام دولة فلسطينية مستقلة، وكانت هناك محادثات سرية مع بعض القادة الفلسطينيين، كما حذر "ديفيد بن غوريون" مؤسس دولة إسرائيل من ضم باقي الأراضي الفلسطينية، وكان هناك من يخشى أن يؤدي ذلك الضم إلى دمار إسرائيل في نهاية المطاف. لكن تلك "الهدية الثمينة"، من الأراضي والموارد، كانت شيئاً يصعب رفضه أو التنازل عنه. وهكذا تحول الوجود الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية من احتلال إلى استيطان، وذلك عندما بدأ بناء المستوطنات. وفي عام 1996 وصلت حركة ضم الأراضي الفلسطينية إلى سدة الحكم، وذلك عندما تولى "بنيامين نتانياهو" منصب رئيس الوزراء. وعندما حضر نتانياهو مؤتمر "دافوس" الاقتصادي مطلع عام 1997، كان صريحاً للغاية في حديثه مع الصحفيين عندما قال إن المستوطنات سيتم توسيعها بحيث تتمكن إسرائيل من السيطرة على موارد المياه والأراضي الزراعية الرئيسية في الأراضي المحتلة. وأنه سيتم فتح طريق تخصص للإسرائيليين حصراً، بهدف فصل الأراضي والقرى الفلسطينية بعضها عن بعض، وأن الأراضي التي سيترك للفلسطينيين استخدامها كممرات، ستكون تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي! وتحت حكم نتانياهو وغيره من رؤساء الوزراء الذين جاءوا من بعده، تم تنفيذ ذلك الكلام بحذافيره. وهو نجاح عظيم في نظر نتانياهو ونظر المتفقين معه... أما بالنسبة للفلسطينيين فكان الأمر بمثابة تدمير بطيء لاقتصادهم ومجتمعهم. بعد ذلك جاءت الانتفاضتان، الأولى والثانية، والقمع العسكري الإسرائيلي، وتصاعد العنف والعمليات التفجيرية... لتستكمل مهمة تدمير المجتمع والاقتصاد الفلسطينيين. واليوم نجد أن حرب الإخوة بين "فتح" و"حماس" في غزة، والتي نشبت عقب الضغط الإسرائيلي والأوروبي والأميركي على السلطة الفلسطينية من أجل سحق "حماس"، على رغم فوزها الانتخابي، وإقدام الفصائل الفلسطينية المسلحة على مهاجمة أهداف إسرائيلية... قد جعلت جميعها من المستحيل على أي كان أن يصدق أن هناك دولة فلسطينية سيتم الاتفاق عليها ذات يوم. وطالما أن الأمر كذلك، فما الذي سيحدث؟ يذهب بعض الفلسطينيين للقول إنه إذا ما كان حل الدولتين غير ممكن، فإنه يجب في هذه الحالة أن يتم اعتبارهم سكان مناطق محتلة... وهو ما يعني وفقاً لمواد القانون الدولي أن تصبح إسرائيل مسؤولة عن إعاشتهم ورفاهيتهم كشعب واقع تحت احتلالها. وهناك بديل آخر، هو أن يناشد الفلسطينيون المجتمع الدولي طلباً للعدالة على أساس أنهم يعانون من القهر والفصل العنصري. لكن السؤال هنا: هل إذا ما فعل الفلسطينيون ذلك، سيحصلون على العدالة حقاً؟ وهناك خيار آخر أكثر يأساً وعدمية، هو تفجير انتفاضة جديدة. ربما كانت تلك الانتفاضة قد بدأت بالفعل من خلال إطلاق الصواريخ دون تمييز، بواسطة الجناح العسكري لـ"حماس" على مستوطنة "سيديروت"، وهو ما أدى إلى إيقاع بعض الخسائر الإسرائيلية في الأرواح، وإجبار مئات المستوطنين اليهود على البحث عن ملاذ آخر. ووفقاً لتقرير نشرته في الثلاثين من مايو الماضي صحيفة "جيروزاليم بوست"، فإن "مردخاي إيلياهو"، كبير الحاخامات الإسرائيليين السابق، كتب رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي "إيهود أولمرت"، يقول فيها إن سكان غزة كلهم يعتبرون مسؤولين عن هجمات "حماس" لأنهم لا يفعلون شيئاً من أجل منعها... وطالما أن الأمر كذلك، فليس أمام إسرائيل "أي مانع أخلاقي" يحول بينها وبين تنفيذ عمليات قتل بدون تمييز ضد المدنيين الفلسطينيين لإيقاف هجمات صواريخهم على المدن الإسرائيلية! ويقترح هذا الحاخام القيام بعملية قصف شامل، ودون تمييز، ضد الفلسطينيين. والسؤال الذي يتعين طرحه الآن من قبل الإسرائيليين: ما الذي كسبته إسرائيل من سياسة ضم الأراضي الفلسطينية؟ وما الذي حققه لها ذلك؟ وهناك سؤال آخر لا يقل أهمية: إلى أين يمكن أن تذهب إسرائيل الآن... ونحو أي غاية؟ والسؤال الذي يفوق هذا وذاك في الأهمية: ما الذي يتعين علي إسرائيل فعله مع الفلسطينيين الواقعين تحت سيطرتها، خصوصاً بعد أن أصبح لديها عدد منهم يفوق عدد الإسرائيليين أنفسهم؟ ويليام فاف ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "ترييبون ميديا سيرفس"