على رغم إن الإدارة الأميركية أعلنت في اليوم العاشر أو الحادي عشر من مايو أنها لن تفرض عقوبات جديدة على السودان نسبة للتلكؤ الحادث بعدم إنهاء محنة دارفور، فإنها عادت وأعلنت عقوبات على السودان في اليوم التاسع والعشرين من ذات الشهر. ويعتقد مراقبون عليمون أن رجوع الإدارة الأميركية عن قرارها الأول مرده إلى تزايد الضغوط الشعبية داخل الولايات المتحدة وخارجها لاسيما في الدول الأوروبية التي تطالب بالحسم السريع لمحنة دارفور، وقد أعرب كثير من منظمات المجتمع المدني الأميركي وغير الأميركي عن ذات الرغبة. إن أبرز نقاط العقوبة الأميركية الجديدة هي حظر التعامل مع السودان الذي يكاد يشمل كل الشركات الكبرى التي تعرف بعابرة القارات، وعلى رغم أن السودان لم يتطور كثيراً في مجالات الصناعة فإن هذا الحظر قد حدد بالاسم 31 شركة سودانية، وهي شركات مختلفة في التخصص، فمنها شركات للبترول وأخرى لصناعة السكر والاتصالات وكذلك شركات تجارية أو شركات تعمل بالزراعة. إن الحظر سيؤثر على أداء هذه الشركات لأنه سيمنع عنها التعاون الدولي ويقفل باب الاستيراد من خارج السودان، والمعلقون يرون أن أكثر هذه الشركات في السودان تأثراً الخطوط الجوية التي تملك طائرة أو أكثر من طراز بوينغ الأميركية، وكذلك مصانع التراكتورات الزراعية والسيارات الصغيرة والكبيرة المعروفة باسم "جياد". إن أول رد فعل لرئيس الجمهورية هو قوله إن هذه القرارات الأميركية قصد بها ضرب الاقتصاد السوداني، أما الناطقون الآخرون باسم الحكومة فقد قللوا من آثار تلك القرارات وقالوا إنها تعبر عن محاولة للضغط على الحكومة، ولكن ما سيحدث من ضرر سيلحق بالشعب السوداني. أما معارضو الحكومة من الاقتصاديين فإنهم يرون أن الأضرار التي ستلحق بالسودان من هذا القرار ليست بسيطة وأن مواجهتها تقتضي أولاً التعجيل باستكمال الإجراءات الخاصة بدارفور وإنهاء العنف الدائر فيه وإغاثة المنكوبين من أهله، وينصح هؤلاء الاقتصاديون الحكومة بتوسيع ماعون التعاون السياسي في الحكم وفتح الطريق لإقامة حكم أكثر ديمقراطية وأكثر تمثيلاً لفئات الشعب المختلفة. وواضح من التطورات التي أعقبت صدور قرار العقوبة الأميركية أن واشنطن لم تكتفِ بهذا القدر، وأنها تحاول جادة إقناع مجلس الأمن بتبني هذه القرارات وغيرها من العقوبات على السودان. وفي هذا فقد أعلنت بريطانيا على لسان رئيس وزرائها أنها تؤيد تماماً القرارات الأميركية وستسعى بريطانيا في مجلس الأمن لتنفيذ المقترحات الأميركية. وأبدى الاتحاد الأوروبي كذلك تأييده لما تراه واشنطن ولندن، ولكن يبدو أن مدى المعارضة التي ستبديها الصين عند عرض الاقتراحات سيكون هو الأمر الحاسم. وهنا يتوقع البعض أن تلجأ الصين لاستخدام حق "الفيتو" ضد قرارات جديدة موجهة للسودان، ولكن هناك من يستبعد أن تلجأ الصين لاستخدام ذلك الحق. وعلى صعيد الأزمة الحقيقية أي في إقليم دارفور فإن الأخبار تتواصل عن أن الأمن غير مستتب وأن عصابات نهب وسلب تطوف من مكان لمكان وأن المأساة التي يعيشها النازحون المبعدون من ديارهم ما زالت قائمة وأن محاولات إقناع الفصائل الدارفورية التي لم توقع على اتفاقية السلام في أبوجا بأن تقبل وتنضم لمن وقعوا، تلك المحاولات ما زالت مستمرة دون بصيص من أمل بأنها قريبة من الحل.