تمثل الضاحية الجنوبية لنيودلهي شاهداً على ثمار التقدم الذي حققته الهند، حيث تنتشر فيها مراكز التسوق الحديثة، وناطحات السحاب التي تأوي شركات برامج الحاسوب الهندية ذائعة الصيت، والمركبات السكنية الراقية. غير أن هذا العنوان الراقي للهند الجديدة يمثل أيضاً نموذجاً للطموح الذي يقاوم الواقع، ولاسيما أزمة الكهرباء التي تشكل واحداً من أبرز العراقيل التي تعترض مسيرة الهند نحو الرقي بنفسها إلى المراتب الأولى للاقتصاد العالمي. يكفي أن ننظر إلى أسطح العمارات لنجد في كل واحد منها ثلاثة أو أربعة أو ستة أنابيب تنفث دخاناً رمادياً أو أسود في عنان السماء. وما تصاعد الدخان من تلك الأنابيب إلا دليل على أن التيار الكهربائي منقطع وأن العمارة –سواء أكانت مركزاً تجارياً جديداً أو مركباً سكنيا راقياً أو مكتباً- تحصل على التيار الكهربائي بواسطة مولدات الطاقة التي تشتغل بالديزل. هذا هو حال الهند هذه الأيام، البلد الذي يفوق عدد سكانه المليار نسمة. "تاتا كونسالتانسي سيرفيسز"، على سبيل المثال، وهي شركة للتكنولوجيا، تتوفر على خمسة أنابيب دخان عملاقة، إضافة إلى صهريج ديزل تحت الأرض تبلغ سعته 5300 غالون تقريباً، كما لو كانت محطة وقود. ويمكن لهذا الوقود الاحتياطي أن يوفر من الطاقة ما يكفي للإنارة وتشغيل الحواسيب والمكيفات الهوائية لفترة قد تصل 15 يوماً من أجل تأمين استمرار الشركة التي تتخذ من بناية من ستة طوابق مقراً لها، في العمل خلال هذه الأشهر الحارة والجافة، حيث تتجاوز درجات الحرارة عادة 38 درجة، ويمكن أن تصل انقطاعات التيار الكهربائي إلى 8 ساعات يومياً في المتوسط. تضم جورجاون مئات البنايات من هذا النوع. ففي هذه المدينة لوحدها، تقدِّر سلطة الكهرباء أن الفجوة بين العرض والطلب تناهز 20 في المئة، وهي نسبة ربما تكون أقل من النسبة الحقيقية. علاوة على كل الأشخاص الذين يعانون انقطاعات التيار الكهربائي في مدن هندية أخرى مثل جورجاون، ثمة من لا يتوفر على ربط كهربائي أصلاً. وفي هذا الإطار، تقول "لجنة التخطيط" الهندية إن نحو 600 مليون شخص –أي نصف عدد سكان البلاد تقريباً- غير مرتبطين بالشبكة الكهربائية. ولهذا السبب، يستحيل تقدير النقص الإجمالي الوطني على وجه الدقة. وفي جميع الأحوال، فمما لا شك فيه أن أزمة الكهرباء في الهند بصدد التفاقم ولا تواكب وتيرة النمو الاقتصادي للبلاد والتطلعات المادية الجديدة التي أثارها. لهذه الأسباب، يعتبر الهنود، حالياً على الأقل، مستهلكين معتدلين للطاقة، حيث يقدَّر متوسط الاستهلاك الفردي بـ600 وحدة للشخص سنويا، أي خُمس ما يستهلكه المواطن الأميركي. غير أنه من المؤكد أنه معدل مرشح للارتفاع في وقت تتطلع فيه الهند إلى اللحاق بركب البلدان المتقدمة. وفي هذا السياق، توقع تقرير صدر مؤخراً عن معهد "ماكينزي غلوبل إينستيتيوت" زيادة في الاستهلاك الهندي من الكهرباء بأربع مرات بحلول عام 2025؛ كما توقع أن تتجاوز الهند ألمانيا باعتبارها خامس أكبر سوق في العالم. ونظراً لحاجتها المتزايدة إلى الطاقة، كثفت الهند توليد الطاقة خلال السنوات الأخيرة بزيادة نسبتها 6 في المئة سنوياً. وهو رقم صغير جداً إذا ما قورن بما تضيفه الصين كل عام، وغير كاف في جميع الأحوال من أجل مواكبة الطلب المتزايد في الهند. وقد وعدت الحكومة الهندية بإيصال الكهرباء إلى جميع أنحاء البلاد بحلول 2009، وتعني بذلك الربط بالشبكة الكهربائية، وليس بالضرورة توفير الكهرباء على مدار الساعة. غير أنه هدف يبدو مستبعداً في ظل المعدلات الحالية لتوليد الطاقة. وإلى ذلك، يواجه تطوير محطات تطوير الطاقة في الهند عدة قيود، ولاسيما الحصول على الأرض والوقود والماء، وكلها أمورٌ تحتاجها محطاتُ توليد الطاقة بكميات كبيرة، وتؤدي بالتالي إلى ضعف الشبكة الكهربائية. ففي جورجاون، على سبيل المثال، كثيراً ما تتعطل المحولات بسب الضغط الكبير. كما تتسبب تقلبات قوة التيار في إلحاق الأضرار بجميع الأجهزة الكهربائية من دون استثناء. ما لا تستطيع الدولة توفيره على نحو فعال، ثمة من يأخذه بطريقته الخاصة؛ إذ يقدِّر البنك العالمي أن نحو 4 مليارات دولار من الكهرباء، تُفقد كل عام، أي أنها، بتعبير آخر، تُسرق. هذا في حين قدرت منظمة الشفافية الدولية في 2005 أن الهنود دفعوا 480 مليون من الرشاوى لتزويدهم بربط جديد أو تعديل قيمة الفواتير. ويُذكر أن حاجيات البلاد من الطاقة، تعد واحدة من الحجج الرئيسية التي تستند إليها الحكومة في اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة، والذي من المنتظر أن يسمح للهند بشراء المفاعلات والوقود النووي من السوق العالمية. بيد أنه حتى في حال وجد هذا الاتفاق طريقه إلى التنفيذ –تقول "لينا سريفاستافا" المديرة التنفيذية لـ"معهد الطاقة والموارد"- فمن المرتقب ألا توفر الطاقة النووية التي توفر حاليا 3 في المئة من الإمداد الكهربائي في الهند، أكثر من 9 في المئة. ونتيجة لذلك، من المنتظر أن تتضاعف خلال السنوات المقبلة مساهمة مصادر الطاقة البديلة مثل الرياح، ولكنها لن تتجاوز 8 في المئة من الإمدادات. بالمقابل، سيبقى الفحم طاغيا على توليد الطاقة، غير أن أزيد من ثلث محطات الطاقة التي تشتغل بالفحم في الهند لا تستوفي المعايير الوطنية للانبعاثات. سوميني سينجوبتا مراسلة "نيويورك تايمز" في جورجاون- الهند ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"