يحلو لكتاب الأعمدة والمقالات في الصحف الأميركية الإشادة بمبادرة الرئيس بوش حول الهجرة باعتبارها انعكاسا لحسه البراجماتي وتعاونه الحزبي، فضلاً عما تظهره في شخصه من "التعاطف المحافظ"، بخلاف مقاربته الأيديولوجية الصارمة التي تبناها أثناء غزوه للعراق. لكن بعيداً عن كونها مبادرة قائمة على سياسة الوسط تقطع مع طريقة التفكير الحالمة والمتحجرة التي ميزت سياسة بوش في العراق، ليست المبادرة الحالية بشأن الهجرة سوى تعبير آخر عن ذلك النمط من التفكير الذي لازم الرئيس بوش منذ دخوله إلى البيت الأبيض دون تغيير. وإليكم بعض أوجه التشابه بين مبادرة الهجرة وغزو العراق: - لقد كانت الفكرتان موجودتين لدى بوش منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض، ويؤكد هذا الطرح "ديفيد فروم" كاتب خطابات الرئيس بوش، الذي يذكر كيف أن الرئيس أخبره أثناء أول اجتماع في المكتب البيضاوي "عزمه للإطاحة بصدام حسين من السلطة في العراق". وفي الوقت نفسه كان بوش يجتمع مع الرئيس المكسيكي "فنسيت فوكس" ويطرح عليه فكرة إنشاء برنامج العمال المؤقتين إلى جانب تسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة. - كلتا الفكرتين ترتكزان على قاعدة مثالية، فقد كان بوش يتعاطف مع الدعوات المنادية بإقرار الديمقراطية في الشرق الأوسط التي عانت من السياسة الواقعية الأميركية في المنطقة؛ كما أنه أبدى التعاطف ذاته مع المهاجرين غير الشرعيين الذين يتسللون إلى الولايات المتحدة لمساعدة أسرهم لكنهم يضطرون إلى الاختباء في الظل والحياة على الهامش. وبالمناسبة كان يتم تصوير الواقعيين ممن يعارضون سياسة الرئيس بوش المثالية بالعنصرية، إذ يواجهون بتهمة ازدراء العراقيين وبأنهم غير قادرين على تبني الديمقراطية، أو أن يسألوا عن سبب تشددهم إزاء المهاجرين. - ولا ننسى أن الفكرتين معها جاءتا كمحاولة لحل مشاكل مستعصية من خلال تقديم طروحات جذرية. فقد كان ينتظر من مشروع العراق أن يطلق عملية واسعة في الشرق الأوسط تأتي برياح التغيير والديمقراطية، والأمر نفسه ينطبق أيضاً على مبادرة الهجرة التي كان يتوخى منها حل مشكلة المهاجرين غير الشرعيين وإلى الأبد. - كلا الفكرتين كان يفترض بهما أن يُطلقا مجموعة من الأحداث الإيجابية. فقد كان من المؤمل أن يرحب العراقيون بالجنود الأميركيين باعتبارهم محررين، وهو ما سيؤدي في المحصلة النهائية إلى قيام نظام عراقي حليف للولايات المتحدة في المنطقة، فضلاً عن التأثير الديمقراطي على مجمل المنطقة. والمنطق ذاته كان يتوقع من مبادرة الهجرة، بحيث ستقود تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين إلى شعور الأميركيين من أصول لاتينية بامتنان عميق، وهو ما يضمن قاعدة انتخابية قوية للحزب "الجمهوري" لعقود مقبلة، بينما سيحد برنامج العمال المؤقتين من تسلل المهاجرين غير القانونيين عبر الحدود الأميركية. - تهدف الفكرتان إلى تحقيق إنجازات تفخر بها الإدارة الأميركية، حيث يتعين علينا في العراق بناء بلد وإعماره وسط الفوضى والعنف الطائفي اللذين يعصفان به، وهو ما يعني تدريب قوات الشرطة والجيش وإقناع المزيد من العراقيين بالتخلي عن ولائهم الطائفي والانضمام إلى قوات الأمن الوطنية، وبنفس الطريقة ترمي مبادرة الهجرة إلى استحداث آلية لمراقبة الحدود تحول دون تسلل الملايين من المهاجرين المُعدمين عبر الحدود الأميركية مع المكسيك. - وتشترك الفكرتان أيضاً في الأهداف الخفية، التي قد لا تمت بصلة إلى ما هو معلن. فقد جادل مناهضو الحرب على العراق بأن "المحافظين الجدد" الذين خططوا للحرب لم يكن يهمهم اندلاع حرب طائفية بين الشيعة والسُنة، بقدر ما كانوا يسعون إلى الإطاحة بصدام حسين وإخضاع العراق. وبالمثل يقول المتشككون في مبادرة الهجرة إن الإدارة ليست معنية بنجاح المبادرة بقدر ما يهمها استمرار تدفق العمالة الرخيصة إلى مؤسسات الأعمال الأميركية. مايكي كايوس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"