يبدو الصمت الأميركي والدولي المحيطان بما يحدث في باكستان غريباً، فهناك دولة وسلطة تنشآن بقيادة "طالبان" و"القاعدة" وسط استسلام النظام الباكستاني المتحالف، برئاسة برويز مشرف، وقد نجد أنفسنا قريبا أمام مجموعات متلاحقة من الشباب العربي والمسلم تسافر إلى باكستان للتدريب والتعبئة وتعود لتنشر الخراب في العالم كله، ونكون أمام جيل جديد من "الأفغان العرب" أو "العرب الباكستانيين". لقد دعمت واشنطن نظام مشرف بنحو 5.6 مليار دولار منذ عام 2003 لمحاربة الإرهاب، وسقط في الأثناء 700 جندي باكستاني في القتال في المناطق القبلية على الحدود مع أفغانستان، وكانت هناك محاولات جادة لفرض الأمن في هذه المناطق، ولكن مع فشل عمليات الجيش، وزيادة المتاعب السياسية الداخلية التي يواجهها مشرف قرر التسليم بعدم قدرته على السيطرة على المناطق القبلية، وأبرم في أيلول الماضي اتفاقاً مع أمراء الحرب هناك، يقلّص بموجبه دور الجيش الباكستاني في المنطقة، دون أن يتعهد القادة المحليون بمنع مليشيات "القاعدة" و"طالبان" والخارجين عن القانون من النشاط في مناطقهم، ومنذ ذلك الوقت تبدو "القاعدة" و"طالبان" كمن حصل على دولتهم العلنية مجدداً. وعلى ما يبدو يخشى البيت الأبيض الاعتراف أمام نفسه وأمام العالم أنّه أخطأ عندما نقل الحرب للعراق. لذا يلوذ بالصمت، والمتابع لمناظرات مرشحي الرئاسة الأميركية، يلاحظ أنّ المرشحين عموماً، بما فيهم "الديمقراطيون" يتساوون في تجاهل موضوع باكستان. الأنباء الواردة من باكستان تؤكد أنّ "طالبان" و"القاعدة" تنشئان سلطة حقيقية في مناطق القبائل على الحدود مع أفغانستان، وهي منطقة شاسعة، حيث مساحة وزيرستان (الشمالية والجنوبية معاً)، وحدها تزيد عن مساحة دولة مثل لبنان، وهي واحدة من سبع مناطق قبلية حدودية تنشأ فيها سلطة "طالبان". وعلى سبيل المثال يشهد إقليم "سرحد"، ظاهرة "طلبنة" متسارعة، وتشهد الأسابيع الأخيرة استهدافاً لحفلات الأعراس، ومحلات الفيديو والإنترنت، وتجري مطالبة المدارس بالكف عن تدريس الفتيات، ويفرض الحجاب بالقوة، ويقوم مسلحون بإيقاف السيارات ويدمرون أجهزة التسجيل فيها، ويكسرون الهواتف الخلوية المزودة بأجهزة تصوير، وتزداد أعداد الشباب الذين ينضمون للقتال مع "طالبان". وبحسب تقرير لصحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل"، فإنّ سكان "وزيرستان الجنوبية" يسلِّمون الآن بأنّ "طالبان" تحكم منطقتهم، فمقاتلو الحركة منتشرون علناً، ويسيطرون على المباني الحكومية، وتسليحهم أفضل من الجنود النظاميين. ومنذ مطلع هذا العام هناك أنباء عن أنّ تنظيم "القاعدة" يعيد بناء مجموعاته داخل أفغانستان ذاتها، وترفض المصادر العسكرية الأميركية التعليق على هذه الأخبار وكأنها تهرب منها وتفضل تجاهلها، وحتى إعلان تنظيم "القاعدة" قبل أيّام تعيين زعيم جديد له في أفغانستان، يدعى مصطفى أبو اليزيد، مر دون اهتمام حقيقي. فحتى الصحف الكبرى مثل "واشنطن بوست" ركزت اهتمامها على بعض ما قاله هذا الشخص، عن أنّ قيادة "القاعدة" أرسلت شخصاً يدعى عبدالهادي العراقي، لترؤس "القاعدة" في العراق، وأنّه اعتقل في تركيا، ويبدو أن عدوى التركيز على العراق على حساب قضايا أخرى انتقلت حتى إلى المحللين والصحافيين. الولايات المتحدة كررت خلال الأسابيع الماضية التصريحات حول وجود أسلحة إيرانية في أفغانستان، ويبدو أنّ واشنطن وكما كانت يوماً أسيرة لأهدافها بالعراق، وتريد تحوير كل شيء، بما فيه اعتداءات 11 سبتمبر لإدانة العراق، تفعل الشيء ذاته مع إيران -التي قد لا تكون بريئة- على حساب الخطر المتنامي في منطقة جغرافية شاسعة في باكستان وأفغانستان. aj.azem@gmail.com