عاد الزعيم الشيعي العراقي، مقتدى الصدر، بعد غيبة طويلة وبعد فترة من التكهنات حول مكان اختبائه أو هروبه، حسب ما أطلق من مسميات على غيابه الذي فاجأ المراقبين عن الساحة العراقية، عاد ليعلن عن رغبته في أن ينتهج "أسلوباً جديداً" للتحرك على الساحة السياسية في العراق. وهي تصريحات، رغم أنها لم تثر انتباه الكثيرين، إلا أنها حظيت بتفسيرات وتحليلات عديدة من جانب المحللين والمهتمين بالشأن العراقي. ومعروف عن مقتدى الصدر تقلباته السياسية، والتي هي أقرب إلى التقلبات المزاجية، وعلى هذا الأساس فإن هناك من يرى أن "الأسلوب الجديد" الذي تحدث عنه مقتدى الصدر، يبدو أقرب إلى أن يكون "نيولوك" سياسيا للزعيم الشاب، بمعنى أن هناك فيما يبدو طارئاً جديداً في الساحة العراقية يستوجب منه هذا التصريح للبحث عن مدخل جديد لتعامل التيار الصدري، الذي يقوده، مع بقية المتنافسين على حكم العراق والجانب الأميركي. دعونا نعترف أن ما يحدث في مجال الفن والغناء والرياضة من حديث عن "نيولوك"، يمكن أن يحدث كذلك في السياسة، رغم ما تتصف به السياسة من جمود. وعلى أي حال، يتمنى الكثيرون أن يكون المقصود من "الأسلوب الجديد" منطلقاً لبداية تجديد جزئي في الحياة السياسية العراقية لمقتدى الصدر وتياره، بهدف الحيلولة دون وقوع كوارث أو أخطاء جديدة لا يبدو العراق بحاجة إليها الآن. إذا كان البعض يرى في تصريحات الصدر أمراً طبيعياً، باعتبار أنه يريد أن يحسن من صورته في العراق، بعد عودته من مكان اختبائه في إيران، وبعد أن كان يغرد خارج السرب العراقي منذ سقوط صدام حسين، فإن البعض الآخر لا يجد في تلك التصريحات سوى زيادة للمشاكل وتعميق أزمات العراق، لأن مقتدى الصدر، قادر على إرباك أي خطط من شأنها تحقيق الاستقرار من خلال "جيش المهدي" الذي لعب دوراً بارزاً في ما آلت إليه الأمور في العراق من تشوش واضطراب واحتقان طائفي. مثلما كان غياب الصدر عن الساحة العراقية، فجأة، موضع تساؤل من الكثيرين، فإن عودته المفاجئة أيضاً لم تجب على هذه التساؤلات بقدر ما فجرت تساؤلات أخرى ليس أقلها أهمية عن مغزى توقيت الظهور الذي لا يبدو عادياً، لأنها ترافقت مع أحداث بالغة الأهمية في الملف العراقي. أول تلك الأحداث، الحوار الأميركي-الإيراني الذي دار في بغداد مؤخراً. وثاني تلك الأحداث، اشتداد الجدل الأميركي حول الانسحاب من العراق والبحث عن استراتيجية خروج، وثالث تلك الأحداث، تنامي التكهنات حول مصير حكومة المالكي، خصوصاً بعد انسحاب ممثلي التيار الصدري منها. البعض يعتقد بإمكانية فتح حوار بين مقتدى الصدر والأميركيين، رغم أن القوات الأميركية تشن حملة على "جيش المهدي"، لكن سواء صحت هذه التوقعات أم كانت عكس ذلك، فإنه من الصعب أن ينتزع الجيش الأميركي موافقة الصدر على حل ميليشيا "جيش المهدي" ونزع أسلحتها، على الأقل في الوقت الراهن، لأنه ذراعه العسكري. "الأسلوب الجديد" الذي تحدث عنه الصدر يعني، أن هناك تحولاً ما في تكتيك الصدر في إدارة علاقاته على الساحة العراقية. ولكن الخوف أن يقتصر التحول الجديد على المظهر الخارجي وتكون المسألة برمتها عبارة عن "نيولوك" وإكسسوارات سياسية فقط من دون تغيير حقيقي في القناعات بحيث يتخلى هذا التيار عن كثير من توجهاته وسياساته التي كانت عاملاً مزعجاً ومربكاً للأوضاع على الساحة العراقية، سياسياً وأمنياً. تجارب السنوات السابقة تجعل من الصعب التيقن بسلوك التيار الصدري خلال الفترة المقبلة، لكن يبقى الأمل في أن يسهم "الأسلوب الجديد" في تحقيق الاستقرار في العراق.