أعلن مجلس الوزراء، مؤخراً، قراره بإمهال العمالة المخالفة للقوانين، مدة ثلاثة أشهر، لتسوية أوضاعها أو مغادرة أراضي الدولة دون تغريمهم أو مساءلتهم، بينما تضمّن القرار عقوبات رادعة وتدابير صارمة بعد انقضاء هذه المهلة بحق هذه العمالة وكل مَنْ يقوم بتشغيلها أو إيوائها والتستّر عليها. ولاشك في أن القرار، الذي يأتي في إطار (استراتيجية الحكومة الاتحادية) التي تم الإعلان عنها في إبريل الماضي، سيسهم بصورة ملحوظة في تنظيم سوق العمل المحلي، ومعالجة العديد من أوجه الخلل التي يعانيها، بسبب وجود أكثر من 300 ألف عامل مخالف لقوانين الإقامة والعمل بالدولة، بحسب الإحصاءات الرسمية، حيث تراكم هذا العدد الكبير خلال السنوات الأربع الماضية، التي أعقبت المهلة الأخيرة لتعديل أوضاع المخالفين، في ظل عدم وجود إجراءات صارمة تكفل سعدّ الثغرات التي تؤدي إلى تراكم الظاهرة من جديد. لقد كانت المرة الأولى التي اتخذت فيها السلطات المختصة بالدولة قراراً بمنح المخالفين لقانون الإقامة والعمل مهلة لتصحيح أوضاعهم أو مغادرة البلاد عام 1996، حيث كان هناك تجاوب قوي مع قرار الدولة بهذا الخصوص، تمثّل في مغادرة أكثر من 200 ألف مخالف لقوانين العمل والإقامة بالدولة، خلال تلك المهلة التي بلغت ستة أشهر، إلا أنه لم تُتّخذ الإجراءات الكفيلة بسدّ الثغرات التي أدت إلى تراكم الظاهرة، ما اضطرّ الدولة في مطلع عام 2003 لاتخاذ قرار جديد بمنح العمالة مهلة ثانية استمرت ستة أشهر أيضاً، وغادر خلالها نحو 73 ألف مخالف، بينما ضبطت أجهزة الأمن بعد انقضاء المهلة نحو 40 ألف مخالف آخرين. وبما أن المخالف لقوانين الإقامة أو العمل لا يمكنه بالطبع أن يظل داخل الدولة لفترة طويلة بهذا الوضع غير القانوني من دون أطراف أخرى توفر له المأوى والعمل، فلابد من تشديد العقوبات على هذه الأطراف تحديداً، بعد أن أصبحت قطاعات كبيرة في سوق العمل تجد في المخالفين مصدراً سهلاً للعمالة الرخيصة، حتى أن وزارة العمل ضبطت مؤخراً عدداً من العمال المخالفين لقانون العمل يعملون في مبنى الوزارة نفسها، في استهتار واضح من قبل بعض الشركات التي أتت بهم بقوانين الدولة التي تمنع إيواء أو تشغيل العمالة المخالفة. وحتى تكون المهلة الثالثة والأخيرة أكثر فاعلية من سابقتيها، فإن الأمر يستوجب التحرّك لسدّ الثغرات التي يمكن أن تؤدي إلى تراكم الظاهرة، والحاجة إلى مهلة رابعة مستقبلاً، من خلال استراتيجية شاملة تشترك في تنفيذها الأجهزة كافة ذات الصلة، كما أن هناك أهمية لإشراك القطاع الخاص في تحمّل هذه المسؤولية الوطنية. وفيما يتوقع أن يتقاطر يومياً آلاف المخالفين للقوانين نحو وزارة العمل وإدارات الجنسية والإقامة بالدولة، لتعديل أوضاعهم أو تكملة إجراءات مغادرتهم البلاد خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، يجب أن تكون الدوائر البحثية بوزارة العمل والجهات ذات الصلة، قد استعدت تماماً لدراسة هذه الظاهرة، التي تعدّ غامضة بطبيعتها، من خلال تصنيف وتحليل اتجاهات وأوضاع المخالفين ميدانياً، على اعتبار أن هؤلاء المخالفين هم أنفسهم المصدر الأساسي للتعرّف إلى طبيعة الظاهرة والثغرات كافة، التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقمها مرة أخرى خلال المستقبل المنظور. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية