في غمرة الفرحة التي سادت عقب إعلان "تفاهمات جنيف" -وهي إطار عمل غير رسمي وقعه مفاوضون إسرائيليون وفلسطينيون غير رسميين عام 2002- أجرينا نحن في "المعهد العربي الأميركي" بالتعاون مع "الأصدقاء الأميركيين للسلام الآن" استطلاعاً للرأي في ذلك الحين، لقياس رد فعل العرب والإسرائيليين على تلك الاتفاقات، وتبين لنا من خلاله ليس فقط أن غالبية العرب والإسرائيليين يؤيدون حل الصراع وفقاً لمبادئ تلك الاتفاقات، وإنما أنهم يتفقون أيضاً على طائفة من المسائل المتعلقة بسياسة أميركا في الشرق الأوسط. بعد مرور خمس سنوات على ذلك التاريخ، جربنا معاً إجراء متابعة لذلك الاستطلاع للرأي وقمنا بتكليف "زغبي إنترناشيونال" خلال الأسبوع الذي بدأ في 22 مايو باستطلاع آراء 501 أميركي من أصل عربي، وعدد مماثل من اليهود الأميركيين، حول نفس المسائل التي تم استطلاع آرائهم بشأنها عام 2002، فتبين لنا أنه على رغم الدماء التي سالت من الجانبين خلال تلك السنوات، فإن المجموعتين لا زالتا تظهران اتفاقاً دالاً على معظم المسائل المركزية بالنسبة للسلام العربي الإسرائيلي، وكذلك على سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. فما تزال أغلبيات واضحة من المجموعتين تؤيد الحل القائم على وجود دولتين تعيشان جنباً إلى جنب.. كما أن المجموعتين تريدان إنهاء الصراع المستمر منذ 40 عاماً، وإنهاء الاحتلال الذي استمر خلال نفس المدة للضفة الغربية وغزة (ثلثا اليهود الأميركيين و89 في المئة من الأميركيين العرب يؤيدون ذلك). وهناك نسبة تزيد على 80 في المئة، تؤيد إجراء مفاوضات بين إسرائيل وسوريا -كما أن ثلاثة أرباع من وافقوا على المشاركة في الاستطلاع يؤيدون الحل الدبلوماسي على حساب المواجهة العسكرية مع إيران. علاوة على ذلك يوافق 80 في المئة من المجموعتين على النتائج التي توصلت إليها مجموعة دراسة العراق "بيكر- هاملتون" وهي أن الولايات المتحدة لن تتمكن من تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط، ما لم تتعامل بشكل مباشر مع موضوع الصراع العربي- الإسرائيلي. كما يؤيد 70 في المئة من اليهود الأميركيين و82 من الأميركيين العرب معاهدة السلام العربية التي تقدم بها العاهل السعودي كأساس للتفاوض بين الجانبين. والشيء اللافت للنظر بالنسبة لنتائج ذلك الاستطلاع هو عمق الاتفاق بين المجموعتين إلى درجة أن الإجابات المقدمة في الكثير من الأحيان كادت تكون متطابقة. وهناك أغلبيات كبيرة اعتبرت أن الطريقة التي عالجت بها إدارة كلينتون الصراع كانت فعالة، في حين أن نسبة 21 في المئة فقط من المجموعتين هي التي رأت أن معالجة إدارة الرئيس بوش لذلك الصراع فعالة. وقال ثلثا العينة تقريباً إنهم سينتخبون عام 2008 المرشح الذي يعِد "بالقيام بدور إيجابي في عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية"، كما أكد 90 في المئة من الجانبين على أنه من المهم بالنسبة لهما أن يعملا سوياً من أجل دعم عملية السلام في الشرق الأوسط، ومن أجل أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون في سلام في دولتين مستقلتين. بيد أن هذا لا يمنع من القول إن هناك بعض مساحات الاختلاف. فعندما طرحنا سؤال: ما هو الطريق الذي يتعين على إدارة بوش اتباعه لتحقيق السلام بين العرب والإسرائيليين؟ وافق ثلثا الأميركيين العرب على أن يتولى الرئيس بوش "قيادة الدفة" ويقوم بالتوسط بين العرب والإسرائيليين، في حين انقسم اليهود الأميركيون في الإجابة عن نفس السؤال حيث قال 44 في المئة منهم، إن الإدارة يجب أن تدعم إسرائيل، وقال 40 في المئة إن بوش يجب أن "يتولى قيادة الدفة". والفائدة التي تمخض عنها إجراء ذلك الاستطلاع للرأي، لا تتمثل فقط في أنه قد قدم أساساً أفضل للفهم، وللعمل المشترك، ولكنها تتمثل أيضاً في كشف الزيف والأوهام والتضليل التي يروج لها اللوبي المؤيد لإسرائيل، والتي يصدقها عدد كبير للغاية من السياسيين الأميركيين، وعلى رأسها أن العرب واليهود يقفان على طرفي نقيض في رؤيتهما وآرائهما المتعلقة بالسلام في الشرق الأوسط، في حين أنهما ليسا كذلك، بالضرورة.