ما بعد "المحكمة" في لبنان... و"لقاء بغداد" بين واشنطن وطهران! بعد إقرار "المحكمة"... لبنان إلى أين؟ وهل خلصت الأمم المتحدة أخيراً إلى تلاشي أمل قيام الدولة الفلسطينية؟ وما هي بالضبط محددات قواعد اللعبة الإيرانية في العراق؟ أسئلة ثلاثة نجمع إجابات لها، ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. لبنان والمحكمة الدولية: اكتسح الجدل الدائر حول إقرار محكمة الحريري الدولية، الصحف الفرنسية والمجلات، في مؤشر على حجم اهتمام فرنسا بهذه القضية، وبشكل لا سابق له. مجلة الإكسبريس استعرضت في تغطيتها لردود الفعل المسجلة من قبل مختلف أطراف الأزمة اللبنانية، ما اعتبرته تمايزاً واضحاً في مستوى لغة "التصعيد" و"التهدئة" حتى داخل المعسكر الواحد، ففي حين اعتبر زعيم الأغلبية سعد الحريري إقرار المحكمة في مجلس الأمن "انتصاراً للبنان"، حرص رئيس الوزراء فؤاد السنيورة على التأكيد بأن المحكمة لن توظف سياسياً ضد أي طرف كان، في رسالة موجهة ضمنياً لطمأنة دمشق، التي أبدت عدم رغبة واضحاً في التعاون مع المحكمة، واعتبرتها -إلى جانب حلفائها في تكتل 8 آذار- مساً واضحاً بالسيادة اللبنانية. وفي افتتاحية بـ"لاشارانت ليبر"، استعرض "جاك غيون" معظم التحفظات، بل الانتقادات، التي كالتها "المعارضة" اللبنانية، لإقرار المحكمة معتبرة إياه تدخلاً أممياً وغربياً في الشأن اللبناني الداخلي. ويرى الكاتب أن "الإقرار" لن يكون نهاية المطاف، بل سينهض من العراقيل أمام انطلاق "المحكمة" نفسها ما سيعوق انطلاق أعمالها لفترة أطول بكثير مما يبدو الآن. فثمة من الأطراف الإقليمية من لديه من الأوراق ما يستطيع اللعب به على الطاولة، هذا في وقت لا مدافع فيه عن السيادة اللبنانية إلى جانب جيش محدود الإمكانيات، سوى القوات الدولية في الجنوب، وهي قوات يمكن أن تتحول هي أيضاً إلى "أهداف" للميليشيات والأطراف التي لا يعجبها الوضع الحالي. وفي افتتاحية "لوروبيبليكان لورين" انتقد "فيليب فوكامب" السياسة الفرنسية في لبنان، معتبراً أن محاولات واشنطن إيجاد قنوات اتصال أوثق مع دمشق تبدو أذكى، حتى لو كانت الحاجة إلى المساعدة السورية في العراق هي ما يدفع الأميركيين إلى ذلك. وهو نفس الطرح تقريباً الذي نجده في مقال "بيتر هارلينغ" في صحيفة لوموند، الذي يرى أن الدعم الفرنسي الكامل لأحد أطراف الأزمة اللبنانية من شأنه أن يؤدي إلى انقطاع أية صلة بالأطراف الأخرى، وبالتالي تفقد فرنسا إمكانية لعب دور "الوسيط" الموثوق في أية لحظة من لحظات الأزمة قد تجد فيها نفسها في حاجة إلى ذلك. ولئن كان ما هو مطلوب أميركياً من دمشق في هذه الأزمة واضح، فإن ما هو مطلوب فرنسياً ليس بذات الدرجة من الوضوح، فالأميركيون يريدون من سوريا فك تحالفها مع إيران، ووقف دعمها لـ"حزب الله"، وأيضاً لحركة "حماس"، أما الفرنسيون فمقاربتهم تبدو أضيق أفقاً، وأيضاً أكثر مخاطر. فأقصى ما يمكن اتخاذه من إجراءات ضد دمشق في أسوأ الاحتمالات هو فرض حصار اقتصادي عليها، وهذا سيضر لبنان –المنقسم على نفسه والمرتبط اقتصادياً بسوريا- أكثر مما سيضر سوريا نفسها. ويصف الكاتب السياسة الفرنسية تجاه الأزمة بالعمى، وأن من شأنها أن تضعف موقف باريس على كلا جانبي الحدود، في سوريا ولبنان معاً. تبخر حلم الدولة الفلسطينية: صحيفة لوفيغارو نشرت أمس مقالاً بعنوان: "الأمم المتحدة لم تعد ترى إمكانية قيام دولة فلسطينية"، استعرضت فيه محتويات تقرير سيصدر الأسبوع القادم عن وكالة التنسيق الإنساني التابعة للأمم المتحدة بمناسبة مرور 40 سنة على احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة، يذهب إلى أن شروط إمكانية قيام "دولة فلسطينية قابلة للحياة" وفق المحددات التي نصت عليها خطة "خريطة الطريق" لم تعد قائمة. والمسؤول عن ذلك هو حركة الاستيطان الإسرائيلية المكثفة في الضفة الغربية خاصة، وبذلك يبدو "حل الدولتين" هو الموضوع جدياً على المحك. فمنذ تنكر شارون لاتفاقات "أوسلو" انطلقت حملة بناء المستوطنات في الضفة الغربية ملتهمة المزيد من الأراضي التي كان يفترض قيام الدولة الفلسطينية عليها، وبوتيرة نمو زادت على 5.5% سنوياً، وبحيث أصبح عدد المستوطنين الإسرائيليين الآن في الضفة 450 ألف مستوطن، في 161 مستوطنة "رسمية" إضافة إلى 96 "عشوائية". وينبه التقرير إلى اقتطاع أراضٍ أخرى كثيرة لتخصيصها لطرق المستوطنين، إضافة إلى تكبيل الضفة بفسيفساء من الحواجز ونقاط العبور المغلقة، بحيث أصبح الفلسطينيون عملياً غير مسموح لهم بالتواجد سوى في 60% من أراضي الضفة فقط. ومع إدانة التقرير الأممي للاستيطان وتأكيده على مخالفته للقانون الدولي، فإنه يذهب إلى أن تمزيق وحدة التواصل الترابي الفلسطيني حوَّل الضفة في الواقع إلى تسعة جيوب معزولة، ومحاصرة، إضافة إلى ما التهمه جدار الفصل الإسرائيلي. وبذلك فإن خطة "خريطة الطريق" التي طالما راهنت المجموعة الدولية عليها، أصبحت شيئاً من الماضي، لأن الحقائق تغيرت على الأرض بشكل جذري. وفي صحيفة لوموند كتب "جيل باري" مقالاً استعرض فيه مظاهر ودواعي الاستياء الذي يجتاح الشارع الفلسطيني، بفعل استمرار ما يشبه حالة الحرب الأهلية بين "فتح" و"حماس"، مؤكداً أن ما انتهت إليه الانتفاضة الثانية سنة 2000 كان مخيباً لآمال الفلسطينيين، على عكس الانتفاضة الأولى، التي أفاقت إسرائيل من أحلام يقظتها وأخبرتها بأنه لا يزال ثمة شعب يكافح من أجل أرضه وحقوقه. فالانتفاضة الثانية انتهت إلى تخريب واسع النطاق وشبه مبرمج لمؤسسات السلطة الفلسطينية نتيجة التجاذب عليها بين الفصيلين المتصارعين. وينتقد "باري" بشدة مواقف الأوروبيين والأميركيين خاصة، حيث أدت العراقيل التي وضعوها في وجه الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى انهيار "أوسلو" خاصة أنهم ضغطوا لتقليص صلاحيات الرئاسة في آخر عهده، هذا في حين سيؤدي صراعهم الحالي مع "حماس" إلى مساعٍ مضادة لتوسيع صلاحيات الرئاسة لخدمة الرئيس عباس. هذا إضافة إلى مراوغتهم في موضوع المساعدات، وعدم تحركهم أمام حقيقة أن قيام الدولة الفلسطينية بات اليوم أبعد منالاً بكثير. وفي واقع إحباط عام كهذا فلا غرابة أن يتحول كثير من الفلسطينيين إلى "مختبرات" صناعة المتطرفين في مخيمات اللجوء كعين الحلوة ونهر البارد في لبنان مثلاً، وربما يكون الأخطر من هذا كله ما زال في الطريق. إيران... والرهان العراقي: في صحيفة لوفيغارو كتب الصحفي جورج مالبرينو -المتخصص في الشأن العراقي والمختطف السابق هناك- مقالاً بعنوان: "العراق، العمل الإيراني بدأ يؤتي ثماره" قدم فيه تحليلاً واسعاً لخلفية رضوخ واشنطن لإجراء مباحثات مباشرة مع طهران حول الشأن العراقي، منبهاً إلى أن هذه المحادثات المُعلنة في بغداد تدفع إلى الاعتقاد بإمكانية عقد محادثات واتصالات من أنواع مختلفة غير معلنة، فزواج المصالح بين الطرفين يمكن الوصول إليه في النهاية، ولكن بطرق متعددة ومختلفة. ويصف الكاتب السياسة الإيرانية في العراق بالازدواجية، فهي تدعم الحكومة التي أقامها الأميركيون، وفي نفس الوقت تدعم المليشيات المناهضة للقوات الأميركية. وفي الوقت الذي تدعم علناً جناح عبدالعزيز الحكيم المتغلغل في الحكومة العراقية، تدعم أيضاً جناح الصدر المتمرد على هذه الحكومة والداعي إلى إنهاء الاحتلال الأميركي، وخاصة أن مقتدى الصدر عاد الآن إلى الكوفة بعد وجود استمر 5 أشهر في إيران. ويقول الكاتب إن طول فترة هذه الزيارة دليل على اختلافات عميقة في الرأي بين الصدر الذي يريد "الانسحاب" فوراً وملالي طهران الذين يريدون انسحاباً أميركياً معلناً ومبرمجاً بعناية. ويقول الكاتب إن الضرورات فرضت الآن هذا النوع أو ذاك من "زواج المصالح" بين واشنطن وطهران، ولكن يرجح أن يؤدي أي تكريس رسمي للنفوذ الإيراني إلى استعداء قطاعات واسعة من الشيعة العراقيين ضد طهران. إعداد: حسن ولد المختار