إذا كنتم تعتقدون أن السنوات الأخيرة كانت حافلةً بالتغيرات الدرامية عبر مختلف أرجاء العالم، فاستعدوا لرؤية ما سيأتي في المقبل من الأشهر. لقد طغى على الأمس القريب استمرار دوامة العنف محدثةً المزيد من القتل والتدمير في العراق، والصعود الصاروخي للاقتصاد الصيني، وانتشار التعصب الإسلامي، واندلاع أعمال الشغب في ضواحي باريس الفقيرة، والانتشار النووي في كوريا الشمالية، وإنفلوانزا الطيور، وتزايد النفوذ الإيراني، وتصاعد المد اليساري في أميركا اللاتينية، والتراجع الكبير في احترام العالم للولايات المتحدة. خلال معظم هذه الفترة، رأينا تشكيلة من الرؤساء ورؤساء الحكومات المألوفين على الساحة الدولية –الرئيس الأميركي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الياباني جونيشيرو كويزومي، وبيل كلينتون الذي يجوب العالم للمشاركة في المؤتمرات واللقاءات الدولية. كل واحد من هؤلاء رئيسٌ أو رئيسُ وزراء حالي أو سابق. ثم هناك كوفي عنان، أمين عام منظمة الأمم المتحدة الذي حل محلَّه "بان كي مون" مؤخراً. غير أنه استشرافاً للتغيرات المنتظرة، يجدر أن نأخذ بعين الاعتبار بعض الحقائق المهمة في هذا الصدد؛ وهي حقائق تتعلق بدور الدول والأمم. فنحن على وشك أن نرى تحولاً سريعاً وكبيراً، لاسيما فيما يتعلق بالنخب والزعامات التي تدير شؤون بلدانها أو تمثلها عبر العالم بأسره. فقد شهد العالم في الآونة الأخيرة انتخابات رئاسية محتدمة في فرنسا أسفرت عن وصول المرشح اليميني نيكولا ساركوزي إلى قصر الأليزيه. والحال أن فرنسا ليست البلد الأوروبي الوحيد الذي سيتعين عليه أن يعتاد على قيادة جديدة؛ إذ من المرتقب أن يُستبدل رئيس الوزراء البريطاني الحالي توني بلير قريباً بخليفته المحتمل غوردون براون. وفي غضون ذلك، تواجه روسيا تحت إدارة فلاديمير بوتين انتخابات رئاسية في مارس من العام المقبل؛ غير أن بعض التكهنات المنتشرة على نطاق واسع تشير إلى أن بوتين، الذي لا يستطيع التنافس على ولاية رئاسية أخرى بمقتضى الدستور، سيعمد إلى زرع مرشح- دمية لإدارة شؤون ذاك البلد مترامي الأطراف. أما الآن، فلنتجه بأنظارنا إلى آسيا؛ حيث من المرجح أن تقوم اليابان في يوليو القادم بتثبيت وتعزيز قبضة رئيس الوزراء "شينزو آبي" على السلطة، وهو حدث سيتعين على الصين وكوريا الجنوبية المجاورتين تحمله والتعايش معه، علماً بأنه من المنتظر أن يتم استبدال الرئيس الكوري الجنوبي "رو مو هيان" بشخصية أخرى في ديسمبر المقبل. بيد أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ ذلك أنه من المرتقب خلال فترة الأشهر الثمانية عشر نفسها أن تجري انتخابات رئاسية أو برلمانية في أزيد من 50 بلداً آخر -من تايوان وتايلاند وفيتنام، إلى أسبانيا واليونان وتركيا، إضافة إلى جورجيا والأرجنتين والأوروغواي. وباختصار شديد، فإنه ستصبح إذن لمعظم دول العالم قيادات جديدة. لكن ما المعنى الذي يحمله ذلك التغير الواسع في هرم القيادة؟ الواقع أن إحدى نتائج ذلك التغيير، يرجح -إلى حد كبير- أن تتمثل في إذكاء الشعور القومي والتطرف السياسي خلال السنة الانتخابية القادمة في معظم البلدان. أما النتيجة الأخرى، فتتمثل في التأخر الذي سيسجَّل على صعيد صنع القرار في وقت يصل فيه القادة الجدد إلى السلطة، ويقومون بانتقاء موظفيهم ويحاولون –على العادة بشكل عبثي- التحكم في البيروقراطيات الحكومية القائمة وتطويعها لأفكار نظرية جديدة. على أن ثمة نتيجةً أخرى لتغير القيادات في عدة بلدان، وتتمثل في تغير غير مباشر في المستفيدين من الفساد. وتأسيساً على ما سلف، يمكننا أن نتوقع، على المستوى الدولي، مزيداً من حالةً انعدام اليقين، خاصة فيما يتعلق بطرق تعاطي الزعماء الجدد مع المواضيع المهمة من قبيل السياسة التجارية، وتغير المناخ، وانتشار أسلحة الدمار الشامل... وغيرها من القضايا الحيوية. على أنه من المرجح أن تزداد حالة انعدام اليقين هذه وتتفاقم على اعتبار أن هؤلاء القادة لم يسبق لهم في معظمهم أن أجروا اتصالات على انفراد مع بعضهم بعضاً، وهي اتصالات تساعد أحياناً على حل النزاعات والخلافات. واللافت أن كل حالات التأخر المحتملة، ستحدث حتى في الوقت الذي بات فيه الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد على القرارات المالية، والتي يجب أن تُتخذ في أجزاء من الثانية، والانتقال الفوري للمعلومات والأفكار والبروباغندا السياسية؛ والتعاون العلمي الآني، والتسريع التكنولوجي للإنتاج والتوزيع. وعلى خلفية هذا التناقض، يجوز التساؤل: ما هو حجم التأثير الذي يرجح أن يكون للطبقة الجديدة من زعماء العالم على المستقبل؟ الواقع أننا بتنا نعيش زمناً أصبح فيه بمقدور زعيم حتى بلد صغير وفقير يعاني نقص التغذية، أن يشغل اهتمام قوى كبرى مثل الولايات المتحدة واليابان والصين، إذا ما كان يتوفر على أسلحة نووية أو يهدد بصنعها. وعليه، فإنه يمكن القول إن القوة الوطنية لن يكون مقياسها الحجم أو الامكانات المادية التقليدية مستقبلاً، إذ أصبحت الأسلحة البيولوجية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل أرخص تكلفة وأكثر فعالية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"