ثمة حديث كثير حول تغير المناخ في واشنطن هذه الأيام؛ غير أن ثمة قرارين يمثلان اختباراً حقيقياً لقدرة الرئيس بوش والكونجرس ذي الأغلبية "الديمقراطية" على الجمع بين القول والفعل، ولكن المؤشرات الأولى مختلطة ومتناقضة. يتعلق القراران موضوع الحديث بالتلوث الذي تسببه السيارات والشاحنات، التي تعد مَصدر نحو ثلث الانبعاثات الغازية في الولايات المتحدة، ومن ذلك ثاني أكسيد الكربون المسؤول الأول عن ارتفاع حرارة الأرض. ولعل أنجع وسيلة للحد من هذه الانبعاثات تكمن في تحسين كفاءة وقود السيارات. وإضافة إلى ذلك، فإن كسب المزيد من الأميال من جالون واحد للبنزين من شأنه أن يساهم في تقليص اعتماد الولايات المتحدة على النفط الخارجي، الذي يشكل اليوم نحو 60 في المئة من الإمدادات الأميركية، بعد أن كان يمثل 40 في المئة عام 1990. لقد كانت 1990 المرة الأخيرة التي فرضت فيه واشنطن على شركات صناعة السيارات تحسين كفاءة الوقود بالنسبة للحافلات. فخلال أزمة الطاقة في عقد السبعينيات، فرض الكونجرس على شركات صناعة السيارات ضرورة احترام معيار 27.5 ميل للجالون الواحد بالنسبة للحافلات، وذلك اعتباراً من 1985. غير أن احتجاجات وضغوط شركات صناعة السيارات ونقابات العمال سرعان ما دفعت وزارة النقل الأميركية إلى خفض هذا المعيار في أواخر الثمانينيات، قبل أن تحدده في 27.5 ميل للجالون الواحد عام 1990. ومنذ ذلك الوقت، لم يتحرك هذا المقياس قيد أنملة. ولأن الأميركيين يُقبلون كثيراً على سيارات الدفع الرباعي الضخمة والشاحنات الخفيفة، وهي مركبات غير مطالَبة باستيفاء هذا المعيار، فإن الأداء المتوسط لجميع السيارات على الطريق لم يتعد 25.4 ميل للجالون الواحد، وهو أقل من المتوسط الذي سُجل في 1988. وبما أن شركات صناعة السيارات تهتم بالأداء أكثر من أي شيء آخر، فإن كفاءة الوقود بالنسبة الحافلات نفسها لم تتحسن كثيراً، حيث انتقلت من 29 ميلاً للجالون الواحد في 1988 إلى 30 اليوم. اللافت أن "الديمقراطيين" (بدءاً بالرئيس كلينتون) لم يقوموا بشيء حيال هذا الأمر خلال العقدين الماضيين، تماماً على غرار "الجمهوريين". غير أن المخاوف بخصوص النفط الخارجي، وارتفاع أسعار وقود السيارات، وارتفاع حرارة كوكب الأرض جميعها عوامل بدأت أخيراً تغيِّر المعادلة. فحتى بوش، الذي يعارض تقنين الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري بدعوى التأثير على الاقتصاد، بات يدعو إلى تحسين كفاءة الوقود، آخرها التصريح الذي أدلى به حول الاحترار الأرضي الأسبوع الماضي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلاً من مجلس النواب ومجلس الشيوخ قد يصوتان على تشريعات تنص على زيادة معايير كفاءة الوقود هذا العام. هذه التشريعات المقبلة تمثل أهم إجراء يتخذه الكونجرس لإثبات مدى التزامه بالعمل الجاد على صعيد تغير المناخ. فقد وافقت لجنة التجارة التابعة لمجلس الشيوخ مؤخراً على تشريع يحدد المعيار في 35 ميلاً للجالون الواحد بالنسبة لجميع المركبات على الطريق بحلول 2020، مع زيادة سنوية بنسبة 4 في المئة بعد هذا التاريخ. وهي أهداف معقولة شبيهة بتلك التي تبناها بوش. بيد أنه بموازاة مع مناقشة الكونجرس لهذه التشريعات، يواجه بوش اختباراً للأقوال والأفعال بخصوص تغير المناخ. فبعد إصدار المحكمة العليا في أبريل الماضي حكماً بضرورة أن تقوم "وكالة حماية البيئة" بتقنين انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري (اللهم إلا إذا استطاعت تحديد سبب قوي لعدم القيام بذلك)، أمر بوش الوكالة الأسبوع الماضي بالشروع في صياغة قانون بهذا الشأن. غير أنه أثار شكوك البعض بخصوص صدقه وجديته عندما أعلن أن العملية ستدوم إلى أن يغادر البيت الأبيض. والحال أن ثمة طريقاً مختصرة متاحة؛ فقد سبق لولاية كاليفورنيا أن مررت تشريعاً يفرض على السيارات خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنحو الثلث؛ كما أعلنت 13 ولاية أخرى أنها ستحذو حذو كاليفورنيا –في حال مَنحت "وكالة حماية البيئة"، التي لابد من موافقتها، كاليفورنيا الإذن بذلك. وعليه، فإن الطريقة الرئيسية التي يمكن من خلالها لشركات صناعة السيارات استيفاء هذا الشرط تكمن في تحسين كفاءة الوقود. ولأن الولايات المشار إليها تمثل نحو 40 في المئة من سوق المركبات، فالأرجح أنه لن يكون أمام الشركات خيار آخر غير تصميم جميع مركباتها على نحو يستوفي أعلى معايير كفاءة الوقود. والحال أنه لغاية يوم الثلاثاء قبل الماضي، عندما بدأت جلسات المناقشة بخصوص القانون، قامت "وكالة حماية البيئة" بإرجاء النظر في طلب كاليفورنيا لثمانية عشر شهراً. وعليه، فإذا كان بوش يرغب حقاً في كسر جمود واشنطن بخصوص ارتفاع حرارة الأرض وتحسين كفاءة الوقود، فإن حث "وكالة حماية البيئة" على الموافقة بسرعة على طلب كاليفورنيا يمثل فرصة مواتية لإثبات ذلك. رونالد براونشتاين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"