مجموعة متباينة من الإحصاءات والتقديرات الرسمية وشبه الرسمية تنشرها وسائل الإعلام المحلية أو ترد على لسان بعض المسؤولين من حين لآخر، لا يُلقى لها بال، ولا يُلتفت لها، رغم أهميتها ومغزاها. من هذه المعطيات الرقمية ما يشير إلى أن حجم هذه التحويلات الخارجة من دولة الإمارات ينمو بنسبة 13% سنوياً، ليصل مجموع هذه التحويلات، خلال العام الماضي، نحو 58 مليار درهم، وهو ما يزيد على 17% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي، وما يقرب من 12% من إجمالي الدخل القومي لدولة الإمارات، بينما لا تتجاوز نسبة التحويلات الخارجية في دول مجلس التعاون الست 8% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول مجتمعة، بما فيها الإمارات. بهذه المعطيات، فإن التحويلات الخارجية لدولة الإمارات كنسبة مئوية من الناتج المحلي أو الدخل القومي تشكّل النسب الأعلى في العالم. وخلافاً لما يعتقد بعضهم، فإن هذه التحويلات التي تخرج من دولة الإمارات سنوياً على ضخامتها المطلقة أو النسبية، ليس مصدرها أجور وتعويضات العمالة الوافدة وحدها، بل إن أرباح الشركات والمنشآت تشكّل المكوّن الأساسي لهذه التحويلات، متجاوزة 32 مليار درهم، خلال العام الماضي وحده. لاشك في أن هذه النسبة الأخيرة تطرح قضايا جوهرية تتعلق بجدوى وجود أكثر من 350 ألف منشأة في القطاع الخاص بالدولة، تؤول ملكية نحو 50% منها جزئياً أو كلياً لغير المواطنين، كما تطرح في الوقت نفسه أولويات التوطين، باعتباره قضية اقتصادية شاملة لا تقتصر على الجانب البشري فقط، وإنما تمتد لتغطي جوانب الاقتصاد بأبعاده وعناصر إنتاجه كافة، من رأس مال وعمل وتنظيم وإدارة وتكنولوجيا وغيرها. وإذا كان الاهتمام بتوطين القوى العاملة يبرزه جزئياً الضغط على ميزان المدفوعات نتيجة للمبالغ المالية الضخمة التي تحوّلها العمالة الوافدة إلى بلادها سنوياً، فإن المنشآت الاقتصادية التي تؤول ملكيتها جزئياً أو كلياً إلى جهات غير مواطنة تحقق أرباحاً طائلة، مستفيدة من السوق المحلية وتسهيلات القروض من البنوك المحلية، تحوّل إلى خارج الدولة مبالغ طائلة تشكّل ما نسبته 55% من مجموع التحويلات السنوية من دولة الإمارات. إن التحويلات الخارجية التي تنمو بمعدل سنوي يزيد على ضعف معدل النمو "الحقيقي" للاقتصاد القومي، تشكّل هاجساً وعبئاً اقتصادياً كبيراً. وطالما أن السياسات المتعلقة بتقلص العمالة الأجنبية غير فعالة، أو أنها سوف تستمر لسنوات عديدة مقبلة، فلابد من التفكير جدياً في التخفيف من حدّة الانعكاسات السلبية لهذه التحويلات على الاقتصاد الوطني من خلال التحرّك في اتجاهين: الأول يقتضي امتصاص أكبر قدر ممكن من مدخّرات الوافدين في دورة الاقتصاد المحلي، من خلال فتح مزيد من مجالات الاستثمار والادخار المحلي والإنفاق أيضاً أمام هذه المدخرات. أما الاتجاه الثاني فيقتضي غربلة المنشآت الاقتصادية العاملة في الدولة والتخلص من كل ما هو هامشي أو مستتر منها، خاصة أن هذه المنشآت نفسها هي التي تسهم بشكل مباشر وفعّال في استقدام العمالة الوافدة، المصدر الآخر للتحويلات. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.