من بين كل المفارقات المحيطة بوضعنا في العراق تلك المفارقة المتعلقة بأننا نحارب من أجل شيء لم يعد قائماً. فنحن نحارب من أجل حكومة وطنية "طائفية"... ونحن ندرب قوات أمن عراقية لتحارب العنف الطائفي، في حين أن تلك القوات ذاتها متورطة في عنف طائفي واسع النطاق... ونحن نحارب من أجل عراق غير طائفي وتعددي، على الرغم من أن جميع المؤسسات غير الطائفية والتعددية- بصرف النظر عن عددها- التي كانت قائمة قبل الغزو، قد اختفت أو تكاد بعد غزونا. في كل يوم يطلب جورج بوش من الأميركيين أن يموتوا من أجل عراق لم يعد قائماً في قلوب وعقول العراقيين، الذين ما عادوا يؤمنون بشيء سوى بعراق طائفي عشائري، أي بالعراق السُني أو العراق الشيعي، أو العراق الكردي المستقل ذاتياً، بعراق غدت شخصيات مثل علي السيستاني ومقتدى الصدر وغيرهما من رؤساء الطوائف أو العرقيات هي التي تقبض على مقاليد الأمور فيه .هذا هو العراق الوحيد الذي يريد العراقيون أن يحاربوا ويموتوا من أجله. ومن بين الآراء غير المنطقية التي نسمعها في سياق المناقشات، الدائرة حالياً من أجل التوصل إلى أفضل طريقة للخروج من العراق، تلك التي نسمعها في بعض الأحيان من قبل بعض النقاد الذين كنا نعهد فيهم المنطق والتعقل، عندما يطالبون بسحب القوات المقاتلة فقط ،مع ترك بعض الوحدات كي تتولى مهمة تدريب القوات العراقية، في حين أن المنطق يدعو إلى ترك قوات قتالية إلى جانب قوات التدريب لحمايتها(على أقل تقدير). وهناك سؤال آخر لا تتم الإجابة عنه في سياق تلك المناقشات، بل غالباً ما يُترك دون تحديد وهو: ما هي نوعية القوات العراقية التي سنقوم بتدريبها؟.. هل هي تلك القوات التابعة لنوري المالكي، والشيعية في غالبيتها، والتي غالبا ما يتم استخدامها في ترويع المناطق السُنية؟.. وإذا ما كان الأمر كذلك، فما هو الشيء الذي سندرب تلك القوات عليه؟ هل سندربها مثلاً على أن تكون أكثر تسامحاً تجاه السُنة؟ وإذا ما كان الأمر كذلك فإن الجميع، ومنهم الخبراء الذين يطالبون ببقاء قوات لتدريب العراقيين بعد انسحاب القوات المقاتلة، يجب أن يعرفوا أن هذه الأشياء ليست ضمن الأمور التي يتم التدريب عليها. وعندما يدلي "ديفيد بيتراوس" قائد القوات الأميركية في العراق بشهادته أمام الكونجرس في سبتمبر المقبل، فإنه يجب أن يُسأل ما هو عدد القوات العراقية غير الطائفية التي تقوم الحكومة العراقية بنشرها في الميدان؟ وما هي نوعية الأعمال التي ستقوم بها تلك القوات من أجل بناء عراق غير طائفي. فإذا ما كانت إجابته بالنفي أي بمعنى أنه لا يوجد مثل تلك القوات، وأنه لا وجود لتلك الأعمال، فإننا يجب في ذلك الحين أن نكون صرحاء مع أنفسنا ونعلن بجلاء إن سياستنا في العراق تهدف إلى دعم الإسلام الشيعي أو الإسلام السُني من خلال قوة أسلحتنا. الشيء الغريب أن الرئيس الأميركي لا يني يقول إن وجود القوات الأميركية في ذلك البلد، هو الذي يمنع من انزلاقه إلى حرب أهلية شاملة، على الرغم من أن كافة الشواهد تشير إلى أن تلك الحرب دائرة بالفعل. لقد شعر العديد من أصدقائي المعادين للحرب الأسبوع الماضي بالضيق والإحباط عندما أخفق الكونجرس الذي يهيمن عليه "الديمقراطيون" في الربط بين شرط تحديد جدول زمني للانسحاب من العراق وموافقته على منح المخصصات اللازمة للإنفاق على زيادة أعداد القوات في بلاد الرافدين. وهم يتهمون "الديمقراطيون" بأنهم قد نسوا أن الكونجرس الذي كانت تسيطر عليه أغلبية أكثر كثافة أيام نيكسون، قد فرض على نيكسون "الجمهوري" طائفة من الإجراءات المتدرجة التي كانت تحد من سلطته في شن الحرب، كما أن ذلك الكونجرس حظر استخدام الأموال المخصصة للقوات المسلحة الأميركية داخل فيتنام في عمليات ضد لاوس وتايلاند، كما حظر استخدام القوات البرية في كمبوديا بعد أن أصدر نيكسون أوامره بغزو ذلك البلد. وفي النهاية تمكن الكونجرس من إصدار قرار بمنع التمويل عن القوات الأميركية البرية في فيتنام، مما اضطر "نيكسون" إلى سحب ما كان قد تبقى من قوات في ذلك البلد. إن نجاح الكونجرس آنذاك في تحقيق ذلك، وفشله الآن في ربط الموافقة على التمويل بإعلان جدول زمني للانسحاب من العراق، يعني أن الكونجرس قد تواطأ مع إدارة بوش في حرب أكثر طيشاً وأكثر عبثية من حرب فيتنام. هارولد ميرسون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"