يسود اعتقاد متزايد لدى القادة العسكريين في العراق بأن الأهداف الشاملة التي حددها الرئيس بوش في تصريحاته السابقة مطلع العام الحالي عندما أقدم على زيادة عدد القوات الأميركية لن يكتب لها النجاح خلال هذا الصيف كما كان متوقعاً، وهم اليوم بصدد البحث عن صياغة جديدة لمعنى تحقيق النجاح. ففي شهر سبتمبر المقبل ينتظر من الجنرال "ديفيد بيتراوس" أن يقدم تقييماً إلى الكونجرس عن مسيرة التقدم المحرز في العراق. لكن كبار الضباط الأميركيين العاملين في العراق، فضلاً عن مستشارين خارج الجيش يشككون في إمكانية بلوغ الأهداف الثلاثة الأساسية التي وضعها المسؤولون الأميركيون أمام حكومة نوري المالكي وطالبوه بالعمل على تحقيقها. ويبدو أن الإنجاز الوحيد الذي يمكن الإشارة إليه في هذا السياق هو تمرير قانون جديد لاقتسام عائدات النفط بين المناطق السُّنية والشيعية والكردية، بل وحتى هذا الهدف الذي يُعتقد أنه سيتحقق أخيراً تواجهه صعوبات لا حصر لها. ومع تأخر عملية المراجعة التي كان من المفترض أن تقوم بها الحكومة العراقية وفشل جهود فرض الأمن في بغداد، يأمل مستشارو الجنرال "بيتراوس" في التركيز على الإنجازات الصغرى التي تتم على الصعيد المحلي، بما فيها التوسط لعقد صفقات بين الفصائل العراقية المتصارعة لتدشين أماكن تنعم بالأمن والسلام في المحافظات المختلفة. وفي هذا السياق قال مسؤول عسكري بارز في العراق رفض الكشف عن اسمه "سوف نركز على إقامة البنية التحتية، وضمان الأمن بالنسبة لبعض الأحياء، وإعادة فتح بعض الأسواق". ومع أن المسؤولين العسكريين يتخوفون من أن عدم إشارة التقييم إلى الجوانب الإيجابية التي كان يفترض أن يتم تحقيقيها سيزيد من شكوك الكونجرس الذي يسيطر عليه "الديمقراطيون"، إلا أن بعض مستشاري "بيتراوس" في مجال مكافحة التمرد يعتقدون أنه لم يكن واقعياً منذ البداية مطالبة العراقيين بالتوصل إلى حلول شافية للقضايا التي تمزقهم بعد شهور قليلة فقط من تعزيز القوات الأميركية في العراق. ويرى المستشارون والمسؤولون العسكريون أن الصفقات المحلية والاختراقات التي تتم على الصعيد المحلي ليست بلا أهمية، بل يمكنها أن تشكل الطريق المفضي إلى المصالحة الوطنية. وحسب المسؤولين العسكريين تعتمد هذه التكتيكات الجديدة على تجنيد المزيد من العرب السُّنة في قوات الأمن، والتوسط لإبرام اتفاقات بين الأحياء المختلفة طائفياً، ثم تسهيل استئناف الأعمال في الأماكن التي كانت خطرة في السابق بهدف التأثير على المواقف والسعي إلى تغييرها. "فريدريك كاجان"، الباحث في معهد "أميركان إنتربرايز" وأحد المدافعين عن قرار بوش الخاص بزيادة عدد القوات الأميركية يؤكد أنه لن يجتمع ما يكفي من الإنجازات الكبرى في يد الجيش لتضمينها في تقرير شهر سبتمبر المقبل. ويقول "كاجان" الذي قام مؤخراً بزيارة إلى العراق والتقى ببعض المسؤولين العسكريين "أعتقد بأن التقدم الحقيقي سيكون على الصعيد المحلي". فعلى امتداد الستة أشهر الماضية أشار القادة العسكريون إلى النجاح الذي حققه العقيد "شين ماكفارلند" في التفاوض مع زعماء القبائل في الرمادي وإقناع أبناء العشائر بالمشاركة في قوات الأمن العراقية، بهدف كسب تأييدهم لمواجهة متمردي "القاعدة" في محافظة الأنبار. ويشكل الاهتمام بالتقدم المحرز على الصعيد المحلي نقلة نوعية لإدارة الرئيس بوش التي ركزت في البداية على ضرورة فرض الأمن في العاصمة بغداد من أجل توفير بيئة آمنة تساعد الحكومة العراقية على المضي قدماً في إجراءات المصالحة الوطنية. فقد مارست وزيرة الخارجية "كوندوليزا رايس"، بالإضافة إلى وزير الدفاع "روبرت جيتس" ضغوطاً كبيرة على الحكومة العراقية للتوصل إلى تسويات أساسية مع نهاية الصيف الحالي. لكن يبدو أن "جيتس" تراجع عن تلك السياسة عندما أقر في الأسبوع الماضي بأن المسؤولين الأميركيين ربما قد بالغوا في التركيز على أهمية الحكومة المركزية في التوصل إلى حلول مناسبة. وأضاف وزير الدفاع الأميركي موضحاً رأيه "من بين الأمور التي انشغلت بها مؤخراً هو ما إذا كان تركيزنا على الحكومة المركزية في العراق وأفغانستان كان إيجابياً، أم أنه كان علينا الاهتمام بالمكونات الثقافية والتاريخية والمحلية والقبلية التي لعبت دوراً أساسياً في صياغة تاريخ البلدين". ويبدو أن القيادة العسكرية الجديدة في العراق قد أدركت صعوبة التوصل إلى اتفاق وطني يعالج القضايا الخلافية بين الأطراف في المستقبل القريب. هذه الصعوبة في إبرام اتفاق بين العناصر العراقية يوضحه مسؤول أميركي فضل عدم الكشف عن اسمه بقوله "إننا نتحدث مع السُّنة الذين حكموا في الماضي، ومع الشيعة الذين يحكمون اليوم وينسون ما عانوا منه هم أنفسهم طيلة الثلاثين عاماً الأخيرة، فكيف سيتوصلون إلى اتفاق؟". ويشير "كاجان" إلى أن الفاعلين المحليين في العراق يشكون في قدرة الحكومة على التوصل إلى حل لإخراج البلاد من أزمتها، قائلاً: "إن شيوخ القبائل لا ينتظرون تمرير قانون، أم لا، ولا يعتقدون أنه من الضروري أن تبدأ المصالحة من هرم الدولة". وتشمل الصفقات المحلية التي يشرف عليها الجيش الأميركي إقناع أبناء العشائر والطوائف المختلفة بالانضمام إلى قوات الشرطة للمشاركة في حفظ الأمن بمناطقهم، لكن في حال رفض المجموعات التجاوب مع الاقتراحات تقوم القوات العسكرية باجتياح الأحياء والبحث عن المتمردين. وطالب المستشارون من خلال النصائح التي يُسْدونها للجيش باعتماد سياسة مزدوجة تجمع بين العصا والجزرة، بحيث يتم الضغط العسكري على الجماعات التي ترفض التعاون مع خطط الجيش الرامية إلى إنجاح الصفقات على الصعيد المحلي. ـــــــــــــــــــ محرر الشؤون الخارجية في "لوس أنجلوس تايمز" ـــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"