أخطر ما في الضربة العسكرية المحتملة لإيران أنها أصبحت، خلافاً لما يوحي به الواقع، مرشحة لأن تبدأ في أي لحظة، هناك خبراء جدّيون يعتقدون بذلك، لأن التحضيرات الأميركية تقارب الجهوزية، ولأن الضربة يجب أن تكون مباغتة، ولأن معظم الحسابات والتحليلات التي كانت متداولة خلال الشهور الماضية تبدلت، سواء بالنسبة إلى نيات واشنطن أو بالنسبة إلى الأنشطة الإيرانية وتقويمها من جانب وكالة الطاقة الذرية والأجهزة الاستخباراتية. أما المناخ السياسي الخليجي، فبات مستقراً عند فرضية أن الضربة واقعة لا محالة، وأن أقصى ما يمكن التوصل إليه مع طهران هو تفاهمات ثنائية مفادها أن دول الخليج لن تشارك في أي عمل عسكري ضد إيران طالما أن أياً من هذه الدول لم يتعرض لأي عمل عدائي من جانب إيران. كانت محادثات نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في عواصم المنطقة، أوضحت للمعنيين أن واشنطن لم تعد تعوّل على المساعي الدبلوماسية، خصوصاً أن إيران أحرزت تقدماً معتبراً في عمليات تخصيب اليورانيوم ولا تبدو مقبلة -لأسباب واقعية مفهومة- على الاستجابة لمطلب وقف التخصيب ناهيك عن وقف البرنامج النووي برمته. وإذا طرحت هذه الاستجابة في أي مفاوضات، فإن المقابل المطلوب لإتمامها سيكون غالياً وصعباً، لأن الإيرانيين يريدون اعترافاً دولياً (أميركياً) بنفوذهم من كابول إلى غزة، لذلك يحسم التحليل الأميركي بأن الأفضل معالجة الأمر بالقوة مهما عظمت المخاطر والتداعيات. صحيح أن الفشل في العراق ضرب هيبة الولايات المتحدة وجعل إدارة جورج بوش عاجزة ومرتبكة، إلا أنه بات يشكل الدافع الأول والأساسي للذهاب إلى حل عسكري مع إيران. أولاً لأن واشنطن ترى في الدور الإيراني سبباً مباشراً في ذلك الفشل، وثانياً لأن الأمر الواقع الذي فرضته إيران أصبح تحدياً سافراً لنفوذ الدولة العظمى، هذا التحدي مسّ بركائز الأيديولوجية نفسها التي يقوم عليها النظام الأميركي بحزبيه "الجمهوري" أو "الديمقراطي". ويلاحظ أن المواجهة في الكونغرس لم توفر أي معطيات مفيدة لإيران، إذ ظل وقف برنامجها النووي مطلباً أميركياً ثابتاً. وفيما اتجه "الديمقراطيون" إلى الضغط لإقامة حوار مع إيران، وفقاً لتوصيات لجنة "بيكر- هاميلتون"، إلا أن اندفاعهم ما لبث أن تراجع لمصلحة الاكتفاء بمغازلة سوريا بهدف فك تحالفها مع إيران، وهو ما تعمل عليه إدارة بوش التي رفعت أخيراً الحظر الذي كانت فرضته على أي سعي إسرائيلي إلى التفاوض مع دمشق. وفي حين تبدأ في بغداد محادثات أميركية- إيرانية هي الأولى من نوعها وتخصص حصرياً للشأن العراقي، إلا أن أحداً لا يعتقد أنها بداية "الحوار" المرتقب، أي ذلك الذي يتناول الخلافات المزمنة بين الطرفين والملف النووي، وبالتالي الاقتراب من تطبيع العلاقات بينهما. يعتبر الخبراء العسكريون أن طبيعة الضربة العسكرية المحتملة لإيران، لا تسمح للولايات المتحدة بالإقدام على "التمهيدات" التي شهدها مجلس الأمن قبيل غزو العراق، كل ما تستطيعه هو أن تهيئ الحلفاء والأصدقاء وحتى الأطراف الأخرى (روسيا والصين) كونها اقتربت من التحرك. ويتردد أن "تشيني" ناقش خلال جولته الأخيرة الكثير من التفاصيل الصغيرة والكبيرة، خصوصاً تلك التي تتعلق بمخاوف محددة لدى جيران إيران. هناك الآن موعدان مهمان لتحديد الوجهة الأميركية: اجتماع الدول الصناعية على مستوى القمة، ولائحة عقوبات جديدة لإيران مع تكرار مطالبتها بوقف برنامجها النووي، في تلك القمة سيكون الرئيس الأميركي واضحاً وسيسعى إلى إفهام الجميع ما هي النية الأميركية، وفي العقوبات سيكون هناك نوع آخر من الإجراءات التي تستهدف الاقتصادي الإيراني. من الواضح أن سعي طهران إلى تثبيت حقها في امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية، لم يحظ بأي تأييد دولي، فحتى روسيا والصين لم تدافعا عن هذا الحق، ولم تشجعا حشد تأييد دولي له. كما أن مبدأ الحل السلمي للأزمة استُهلك بسلسلة طويلة من المحادثات إلى أن اصطدم بجدار الخلافات الأميركية- الإيرانية، بحيث لم يعد هناك ما يمكن اقتراحه لإقناع إيران بجدوى وقف التخصيب. ومع انطلاق قطار العقوبات التي لم تبدُ مجدية وكافية حتى الآن، لم يعد أمام طهران سوى الرهان على إرادة دولية قادرة على إبعاد الخيار العسكري، لكن مثل هذه الإرادة غير مضمون خصوصاً أن مسرح الأزمة ساخن ولا يحتمل المناورات طويلة المدى. والأخطر أن غلبة احتمال الضربة زادت في ترجيح "منطق الحرب" إلى حد عدم الاهتمام بالتداعيات الإقليمية أو التقليل من أهميتها، وبالتالي يتركز الاعتماد الآن على قوة الضربة وسرعتها ونجاحها في تحقيق أهدافها.