التجربة الديمقراطية في الخليج تحتاج إلى وقفة وتقييم علمي وعقلاني لمعرفة أسباب فشلها وما هي الحلول الناجحة لتفادي تكرار ذلك الفشل. ففي الكويت اليوم تمر التجربة الديمقراطية، وهي أقدم تجربة ديمقراطية في الخليج مضى عليها أكثر من 40 عاماً، بمخاض عسير ويعود سبب ذلك إلى استمرار مسلسل الأزمات التي يخلقها عدم تعاون السلطتين مع بعضهما بعضاً، فالسلطة التنفيذية تطالب السلطة التشريعية بتمرير القوانين غير الشعبية حيث يوجد أكثر من 70 قانوناً في أدراج مجلس الأمة لم تتم مناقشتها حتى الآن، ومن أهم هذه القوانين الموافقة على تطوير آبار الشمال المتاخمة للحدود العراقية من قبل شركات نفطية عالمية، وتغيير قانون المستثمر الأجنبي والخصخصة لبعض مؤسسات الدولة، وتغيير أسعار الخدمات بشكل تصاعدي بحيث يستفيد البسطاء والفقراء أكثر من الأغنياء من سياسات الدعم الحكومي. أعضاء مجلس الأمة الكويتي ليست لديهم سياسة موحدة تجاه الحكومة، وكل تيار سياسي لديه أولوياته، فتيارات الإسلام السياسي -ويشمل ذلك الحركة الدستورية الإسلامية (الإخوان المسلمون) وجمعية إحياء التراث (الحركة السلفية)- اشتدت المعركة بينها حول الهيمنة على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة العدل، حيث يترأس هاتين الوزارتين وزير يتعاطف مع الحركة الدستورية الإسلامية، مما أغضب الحركة السلفية التي تريد استجوابه حول منع وزارة الأوقاف كتب ابن باز وابن عثيمين... وزير الأوقاف برأ نفسه ولام وزارة الإعلام التي أقرت بأن المنع جاء كنتيجة لتعرض بعض هذه الكتب للقضايا الطائفية. التجمع الشعبي في مجلس الأمة لديه مطالب عديدة منها القضاء على الفساد ومحاسبة الوزارة في تقصيرها، والآن يطالبون باستجواب وزير النفط. نواب التيارات القبلية، وهي تشكل قطاعاً كبيراً في مجلس الأمة، تنحصر مطالبهم في تحسين الخدمات في مناطقهم، وتوفير الوظائف لأبناء مناطقهم أو قبائلهم. واضح جداً أن التيارات السياسية في مجلس الأمة لا تملك رؤية سياسية موحدة، ولكن ما يوحدها هو معارضتها المستمرة للبرامج الحكومية خصوصاً الإصلاحية منها. الحكومة وعلى رأسها سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حاول في الشهر الماضي حل الإشكالية بين الحكومة والمجلس بعد استجواب الشيخ أحمد العبدالله الأحمد الصباح وزير الصحة، الذي قدم استقالته وتم تشكيل حكومة جديدة... نواب مجلس الأمة عادوا مرة أخرى للتأزيم حول وزير الأوقاف ووزير النفط الجديد الشيخ علي الجراح الذي امتدح في مقابلة صحفية وزير النفط السابق الشيخ علي الخليفة الصباح مما أثار بعض النواب الذين لديهم تحفظ على الوزير السابق بسب قضية الناقلات التي مضي عليها أكثر من 15 عاماً! ما يهمنا هنا أن الديمقراطية في الكويت معرضة للتوقف وربما حل مجلس الأمة قريباً والدعوة للانتخابات، ويعود سبب مسلسل الأزمات في الكويت إلى عدم وجود أغلبية برلمانية بيد الحكومة... وغياب النظام الحزبي الذي يتيح للأغلبية التحكم في المجلس والحكومة، وبما أن الأحزاب في الكويت ممنوعة رسمياً إلا أنها تمارس عملها من خلال مؤسسات المجتمع المدني!!! الأزمة الديمقراطية في الكويت سوف تستمر ما دام الطرفان يسعيان للحصول على الشعبوية على حساب المصالح العليا للوطن، وإن الأحزاب السياسية لا يمكن أن تنجح في الكويت أو الخليج أو الوطن العربي ما دام الولاء لا يزال للقبلية أو الطائفية وليس للدولة. دول الخليج العربية عليها الاستفادة من تجربة الكويت فلا يمكن أن تنجح الديمقراطية بدون وجود أناس ديمقراطيين يدافعون عنها، والمطالبة بالسماح للحزبية بالعمل سوف توصل جماعات الإسلام السياسي بكل تشكيلاتها إلى المجالس التشريعية، مما قد يخلق أزمة جديدة بين الحكومات الخليجية التي لديها مقتضيات خاصة، تفرض الحذر من هذه الجماعات خوفاً من انتشار العمليات الإرهابية في بلدانها.