في هذا الكتاب، تتضافر جهود الممثل السينمائي "دون شيدل"، وزميله "جون بريندر"، الناشط في مجال حقوق الإنسان، في مسعى مشترك بينهما للمساهمة في وضع حد للمأساة الجارية في إقليم دارفور السوداني. فبينما كان "شيدل" منهمكاً في تصوير فيلم "هوتيل رواندا"، إذا بمأساة إنسانية جديدة في إقليم دارفور المجاور. وفي سبتمبر 2004، وصف وزير الخارجية الأميركية في حينه كولن باول، تلك المأساة والفظائع التي ارتبطت بها، بأنها إبادة جماعية يتعين التصدي لها ووقفها على الفور. لكن وبعد مضي عامين ونصف العام تقريباً من ذلك التاريخ، لا يزال النزيف مستمراً، ولم تزدد المأساة الإنسانية إلا سوءاً. وبالنتيجة، فقد أشارت الإحصاءات التي تضمنها هذا الكتاب إلى تعرض ما لا يقل عن 3.5 مليون من مواطني الإقليم لخطر المجاعة، بينما شُرّد نحو مليونين ونصف المليون من وديارهم هرباً من محارق الحرب وويلاتها، بينما قدّر عدد القتلى بحوالي 400 ألف حتى تاريخ نشر هذا الكتاب. وبين هذه وتلك، نشطت مجموعات وحركات، داخل وخارج السودان، وتعالت أصوات المجتمع الدولي ومؤسساته ومنظماته داعية لوضع حد لتلك الفظائع. وفي هذا السياق سعى مؤلفا هذا الكتاب إلى شق طريقهما الخاصة في العمل ضمن تلك الجهود، وعملا على ابتكار استراتيجية في غاية البساطة واليسر، بحيث يتمكن كل مهتم بالأمر من تطبيقها دفعاً للجهود المفضية للحل. وتتلخص هذه الاستراتيجية في ست خطوات هي: رفع مستوى الوعي العام بالمأساة، جمع الأموال والتبرعات من أجل المتضررين في الإقليم، كتابة مذكرات ورسائل الاحتجاج على ما يجري من انتهاكات لحقوق الإنسان في الإقليم، المطالبة بمعاقبة الجناة، الشروع في تنظيم الآخرين، ثم مواصلة الضغط على الحكومة. وحسب المؤلفين فإن من شأن هذه الخطوات البسيطة أن تحدث فارقاً كبيراً عن الوضع الحالي، بل وفي مصير أمم وشعوب بحالها، ليس في إقليم دارفور وحده، وإنما في مناطق نزاع وتوتر أخرى، مثل الصومال والكونغو وأوغندا. والملاحظ أن استجابة مجموعات الشباب وكذلك الساسة وشتى الفئات الاجتماعية والثقافية، قد تزايدت خلال السنوات الخمس الماضية من عمر المأساة. ولذلك ربما كانت الفكرة الرئيسية وراء هذا الكتاب، هو وضعه كمرشد عام للعمل، سواء بالنسبة للجماعات والمنظمات الناشطة أصلاً، أم لتلك الناشئة حديثاً. بل ربما كان القصد من مادته أن توفر الحد الضروري من المعلومات اللازمة لمن يرغبون في التعبير عن احتجاجهم على استمرار نزيف الدم في الإقليم. والذي أضفى على الكتاب طابعه العملي في التصدي لهذا النوع من الكوارث الإنسانية، مشاركة "جون بريندرجاست" في تأليفه، مع الإشارة إلى أنه لا يزال يعمل مستشاراً أول لدى "مجموعة الأزمات الدولية". هذا وتتسم المعلومات الواردة في هذا الكتاب بطابع تطبيقي عملي، لذلك فهو لا يميل كثيراً إلى التنظير المجرد، بقدر ما يرمي إلى الإبلاغ الموجز الملهم والحافز على الفعل مباشرة. وقد شملت هذه المعلومات سرداً تاريخياً موجزاً لخلفية النزاع في الإقليم وشرحاً لدوافعه ومسبباته، إلى جانب تبيان طبيعة الأطراف والقوى المشاركة فيه. كما احتوى الكتاب على عدد من الجداول والخرائط والقوائم والرسوم البيانية التوضيحية. وبسبب طبيعة الكتاب فربما لم تكن المعلومات التاريخية التي حواها، من العمق والثراء بحيث يمكن التعويل عليها. ولا يطعن هذا الحكم بالطبع، في تمكن المؤلفين من توصيف الخلفية التاريخية للنزاع، والمتمثلة في الصراع التقليدي على المراعي والأراضي الزراعية والموارد المائية في الإقليم، إضافة إلى العنصر الجديد الذي طرأ على هذا النزاع التقليدي –والذي اعتاد أهالي الإقليم وزعماء العشائر والقبائل المتنازعة على حله بالوسائل السلمية التقليدية، التي تشمل التعويضات عن الخسائر وعقد الصلح والاتفاقيات على اقتسام وتوزيع الموارد المائية والزراعية والرعوية المتاحة- لولا تدخل الطرف الحكومي واستغلاله لتلك النزاعات، في سبيل تحقيق كسب سياسي على حساب أهل الإقليم. وكما أشار مؤلفا الكتاب، فقد اتخذ هذا التدخل الحكومي بصفة خاصة، تنظيم وتسليح وتمويل ميليشيات "الجنجويد" وحضها على مهاجمة القبائل والقرى التي تتهمها الحكومة بإيواء التمرد المحلي ومساندته. وتجدر الإشارة إلى أن الاستخدام الواسع للأسلحة النارية الصغيرة والثقيلة على حد سواء، بما في ذلك القصف الجوي للقرى المدنية، واستخدام الدبابات والمدافع الثقيلة ضد المدنيين، يشكل هو الآخر تحولاً نوعياً في مسار النزاعات التقليدية التي عرف بها الإقليم تاريخياً. وأكثر ما يميز المعلومات التي حواها الكتاب، أن المؤلفان استقياها مباشرة من خلال زيارتهما للإقليم ومقابلتهما لأطراف النزاع وللمتضررين المدنيين وللفارين من نيرانه وجحيمه. أما على صعيد النشاط التعبوي الداخلي، فقد هدف المؤلفان إلى تشكيل قاعدة ضغط أميركية عريضة، قادرة على العمل الرامي لحث واشنطن على اتخاذ ما يلزم من الإجراءات والأفعال الكفيلة بوقف المأساة. ودافع المؤلفين وراء هذا النشاط بالذات، توصلهما بعد دراسات مستفيضة أجرياها عن حالات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان السابقة، إلى أن خير وسيلة لدفع الحكومات على العمل الجاد من أجل وقف تلك الانتهاكات، هي تشكيل مجموعات الضغط المدنية المتعددة والمتنوعة، على كافة الأصعدة ومستويات التنظيم. وفي حده الأدنى، وبصرف النظر عن قدرته النهائية على حض النشاط الهادف إلى وقف المأساة، فإن هذا الكتاب، يمثل صرخة عالية من صرخات الضمير الإنساني اليقظ الحي، ضد الفظائع والانتهاكات التي ترتكب بحق مواطني الإقليم. عبد الجبار عبد الله الكتاب: ليس تحت رقابتنا: مهمة لإنهاء جرائم الإبادة الجماعية في دارفور وما وراءها تأليف: دون شيدل وجون بريندرجاست الناشر: مطابع "هايبريون" تاريخ النشر: 2007