انتعاش أسواق المال المحلية والخليجية في عام 2005، لم يؤد إلى دخول ملايين المستثمرين الجدد فحسب، وإنما أفرز عشرات، وربما مئات المحللين الماليين والاقتصاديين، مما أوجد حالة من الارتباك لدى المتعاملين في البورصات والمتابعين للأوضاع الاقتصادية في بلدان المنطقة. وللأسف، فإن بعض من دخل على خط التحليل لا يملك النظرة الشاملة للتغيرات الاقتصادية الجارية، كما أن هناك خلطاً بين المفاهيم والمصطلحات الاقتصادية، فمؤخراً على سبيل المثال ورد في إحدى الصحف العربية الكبرى والمرموقة أن الاقتصاديات الخليجية ستدخل حالة من الكساد الاقتصادي مع نهاية العام الجاري! حقيقة لم نتمكن من تحديد مؤشرات هذا الكساد، فالكساد بمعناه العلمي هو تراجع ملحوظ في النمو وفي الطلب المحلي وارتفاع حاد في نسب البطالة وتراجع كبير في الناتج المحلي الإجمالي، كل هذه المؤشرات ليس فقط، لا وجود لها في دول الخليج، وإنما هناك مؤشرات نقيضة تماماً، فالطلب المحلي على السلع والخدمات في ارتفاع مستمر، كما أن نسب البطالة انخفضت في البلدان التي تعاني منها، أما الناتج المحلي الإجمالي، فيتوقع أن يحقق نسبة نمو تبلغ 5% بدول مجلس التعاون الخليجي في العام الجاري، وفق آخر البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، والتي نُشرت في منتصف شهر مايو الجاري. إضافة إلى ذلك بينت الأرقام الخاصة بالأداء الاقتصادي وأرباح المؤسسات الخليجية في الربع الأول من العام الجاري تحقيق معدلات جيدة للنمو وتنامٍ عام في إجمالي أرباح الشركات والمؤسسات الاقتصادية. لذلك، فإننا نتوقع أن تحقق الاقتصاديات الخليجية نسب نمو أعلى من تلك الواردة في تقرير صندوق النقد الدولي، لاعتبارات عديدة، يأتي في مقدمتها استمرار أسعار النفط عند معدلاتها المرتفعة، والتي تقارب 60 دولاراً للبرميل، مما سيوفر عائدات هائلة للبلدان المنتجة للنفط، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي. في الوقت نفسه، هناك طلب متزايد على مختلف أنواع السلع والخدمات ونمو ملحوظ في كافة القطاعات الاقتصادية، وبالأخص التجارة الخارجية والعقارات وقطاع الخدمات، وذلك إلى جانب استمرار تدفق رؤوس الأموال الأجنبية على بلدان المنطقة. صاحبت هذه التطورات الإيجابية ارتفاعاً في معدلات التضخم نتيجة للعديد من العوامل الخارجية والمحلية، فالتضخم في العامين الماضيين شمل معظم بلدان العالم، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وفي مقدمتها النفط، مما أدى بدوره إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج. إذن لا مكان للكساد الذي تحدث عنه البعض دون دراية، فزخم النمو سيستمر ما دامت قوة الدفع مستمرة في الاقتصاديات الخليجية والمتمثلة في العوامل الأساسية التي أشرنا إليها، وذلك بشرط استقرار الأوضاع في منطقة الخليج وحل القضايا العالقة بالطرق الودية. أما في حالة تأزم الأوضاع الإقليمية، فإن ذلك سينعكس دون شك على معدلات النمو، إلا أن ذلك لن يصل إلى حد الكساد الاقتصادي. لقد استطاعت الاقتصاديات الخليجية والعربية بشكل عام في السنة الماضية، تجاوز الانعكاسات السلبية التي تمخضت عن الانخفاضات الحادة في أسواق المال، بل إن القطاع المالي الأكثر التصاقاً بالبورصات، حافظ على معدلات ربحيته العالية نسبياً رغم انغماسه في أنشطة الأسواق المالية في عام 2005 وتمويلاته الكبير للإصدارات الأولية "IPO " والتي حقق من خلالها أرباحاً طائلة. خروج هذه المؤسسات المالية من تلك الأزمة دون أضرار كبيرة، أتاح لها بناء قواعد جديدة للاستمرار بزخم جديد في أنشطتها في العام الحالي والأعوام القادمة، مستفيدة من عائدات النفط المتزايدة ومن استمرار زخم النمو الاقتصادي في القطاعات غير النفطية. بكل ثقة يمكن القول، إنه لا توجد أية مؤشرات للكساد، وإنما سيستمر الانتعاش الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن البورصات الخليجية ستعوض جزءاً من خسائرها وبصورة تدريجية في السنوات القليلة القادمة، بدليل ارتفاعها بنسب تتراوح ما بين 5-7% منذ بداية العام الجاري.