تزامن زيارتي ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي، والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، إلى دولة الإمارات، أثار تكهنات وتوقعات تحليلية قائمة على وجود دور تنافسي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول السيطرة على منطقة الخليج وبسط نفوذهما على دولها! وهذا التحليل فيه تبسيط مخل يتجاهل موقع دول مجلس التعاون الخليجي الست وتأثيرها المتنامي في صناعة القرار الدولي، اقتصادياً وبالتالي سياسياً خلال السنوات الأخيرة. يزعم بعض المراقبين أن زيارات المسؤولين الأميركيين إلى دول مجلس التعاون لا تستهدف سوى عرض مخطط هجوم عسكري أميركي على إيران ومعرفة ما يمكن أن تقدمه هذه الدول، من دعم مادي وعسكري لذلك المخطط. هذه التحليلات تسيء إلى دول الخليج وتنتقص من المكانة التي حققتها ومن قدرتها المتنامية على تقرير وتوجيه مصيرها بنفسها. والغريب أن هناك استبعادا كاملا لدى البعض لإمكانية أن تمارس دول مجلس التعاون، ضغطاً سياسياً على واشنطن أو تأثيراً اقتصادياً على إيران. التنمية في دولة الإمارات، كما هو الحال في دول الخليج، أفرزت أجندة وطنية خالصة لسياسة خارجية قائمة على حماية المكاسب التنموية بعيداً عن تقديم خدمات دون مقابل لهذا أو ذاك من الأطراف الدولية والإقليمية. وهذا يدفعنا إلى عدم القبول بالحكم النمطي الذي يستهوي أصحاب الأحكام المسبقة والجزم بأن الإمارات، وغيرها من دول المجلس، ليس لها اتجاه آخر في العلاقات الأميركية الإيرانية سوى اتجاه الصراع، أو العمل على تأجيجه! لقد أثبتت زيارتي تشيني ونجاد إلى أبوظبي، أن الإمارات، ودول الخليج، اكتسبت خلال عقود من التعامل مع المتنافسين في المنطقة، سواء القوى الدولية أو الإقليمية، حكمة عميقة وهي أن هناك إمكانية للتحول إلى لعب دور حيوي، ربما لا يقترب من مفهوم الوساطة بمعناه التقليدي، ولكن من خلال تبريد الأجواء وإقناع كل طرف باعتماد العقلانية وتفادي التصعيد وطرح أخطار أي تصعيد عسكري وتأثيراته السلبية. ولعل التصريحات المتزامنة للمسؤولين في واشنطن وطهران بالاتفاق على إجراء حوار حول العراق الأسبوع المقبل، ربما تمثل أحد النتائج الإيجابية للزيارتين اللتين اعتقد البعض أنهما لا تخدمان المنطقة، خاصة أن زيارة تشيني، بحسب ما واضح، جاءت دون اتفاق مسبق. الخليجيون لم يعودوا ينخدعون بما يعتقده البعض ويروجونه عنهم، أي كونهم ليسوا سوى ساحة لصراع المصالح للدول الكبرى، ما عدا استثناءات قليلة من تاريخهم! زيارة نجاد بالنسبة لدولة الإمارات ليست مجرد زيارة لرئيس دولة مجاورة، فهي زيارة يتفق الكل على أنها تاريخية حتى لو ما تحدث تحولاً في العلاقات السياسية. والزيارتان معاً حملتا بوادر أمل للحل في العراق، وهذا تحسن نسبي له دلالة مهمة، وقد بدأ يأخذ مجراه انطلاقاً من الإمارات، وهو بالتأكيد يحتاج إلى وقت، لكن بناء الثقة هو الأهم، كما أنه تأكيد على أن بمقدور الدور الإماراتي أن يسهم في تهدئة أجواء التوتر ولجم اندفاع الأزمة الأميركية- الإيرانية. فالمؤشرات الكلية للزيارتين، تؤكد أنهما انطلاقة في العلاقات نحو توافق لم تصله الدولتان منذ زمن طويل. زيارة الرئيس الإيراني للإمارات كانت بحد ذاتها هي أكثر ما شد انتباه الكل، بغض النظر عما جاء في تفاصيلها، ليس لأنها الزيارة الأولى لرئيس إيراني منذ الثورة، ولكن لما تحمله من دلالات سياسية كبيرة؛ فالقناعة التي يمكن أن يستنتجها المراقب هي أن قيادتي البلدين ترفضان حالة الركود السياسي، في حين أن هناك نشاطا في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. زيارة نجاد ستكون بمثابة أرضية لمناقشة كافة الملفات المفتوحة مستقبلاً، كما تعني كسر حاجز الثقة في العلاقات الثنائية، شريطة أن يبدأ الجانب الإيراني في خطوات فعلية لتسوية قضية الجزر الإماراتية المحتلة الثلاث، وألا يتوقف عند مواقفه المتكررة التي ظلت عقبة أمام أي تطور نوعي في العلاقات، ليس مع الإمارات فقط ولكن مع دول مجلس التعاون أيضاً. محمد خلفان الصوافي sowafi@hotmail.com