حسب توقعات العديد من الخبراء، فإن القرن الحادي والعشرين سيكون قرناً آسيوياً، إذ يتوقع أن تتمكن الهند والصين، خلال الثلاثين عاماً القادمة، من اللحاق بالولايات المتحدة ثم التفوق عليها من حيث الناتج القومي الإجمالي. وهناك دولة آسيوية عملاقة أخرى يجب أخذها في الحسبان- حتى لو استمرت الصين والهند في تقدمهما الحالي- إذا ما كنا نريد الحديث عن مستقبل آسيا، تلك الدولة هي اليابان التي صدرت حولها موجة من المقالات والكتب في الولايات المتحدة عام 1993، وكانت كلها تحذر الأميركيين من نموها الذي لا يمكن إيقافه، والتحدي التي يشكله ذلك التقدم الياباني للأميركيين. ومن تلك الكتب الرواية التي نشرها عام 1992 كاتب روايات الخيال العلمي المشهور "مايكل كريكتون" تحت اسم "الشمس الصاعدة" وقد ضمنها تحذيراً مقنعاً من صعود اليابان. وفي العام التالي عُرض فيلم مبني – بقدر كبير من التصرف- على ذلك الكتاب، لعب دور البطولة فيه النجم المعروف "شين كونري". لكن ما حدث هو أنه في الوقت الذي كانت أصداء تلك الكتب والمقالات والأفلام تترد في آذان الجمهور الأميركي، كانت فقاعة اليابان الاقتصادية قد بدأت تدخل في فترة من الركود الطويل الذي لم تشرع في الخروج منه سوى مؤخراً. ورغم الصدمة التي عانت منها جراء سنوات الكساد الطويلة، فإن اليابان لا تزال ثاني أكبر اقتصاد في العالم حيث بلغ ناتجها القومي الإجمالي 4.6 تريليون دولار عام 2006، أي ضعف الناتج القومي الإجمالي للصين (2.6 تريليون دولار) وخمسة أضعاف الناتج القومي الهندي (839 مليار دولار). وفي عام 2006 أيضاً فاقت ميزانية الدفاع اليابانية مثيلتيها لدى الصين والهند، رغم أن البلدين مهيآن لتجاوز اليابان من ناحية الناتج القومي الإجمالي والإنفاق الدفاعي خلال العقد المقبل. ومن العوامل المعززة لدور اليابان المستقبلي كقوة آسيوية، تلك العلاقات الوثيقة التي تربطها بالولايات المتحدة، وكذلك سياستها الخارجية الراسخة حالياً، لاسيما في سياق علاقتها مع الصين وغيرها من القوى الآسيوية. لذلك فإن من بين الأسئلة الجيوبوليتيكة المهمة بشأن مستقبل آسيا، ذلك السؤال الخاص بالكيفية التي ستتفاعل بها الصين والهند واليابان مع بعضها البعض، والدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة وربما روسيا في هذه العلاقة. وهناك عدد من مصادر الصراعات المحتملة بين الدول الثلاث منها، النزاعات الحدودية التي لم تحل حتى الآن بين الهند والصين، وكذلك قلق الهند بشأن ارتباطات الصين الوثيقة مع باكستان. ويذكر في هذا السياق أن ثمة نزاعات بين الصين واليابان حول جزر بحرية تقع في بحر الصين، بالإضافة بالطبع لنزاعهما حول المسألة التايوانية. فضلاً عن ذلك، يزداد اعتماد الدول الثلاث على نفط وغاز الشرق الأوسط في الوقت الراهن، وهو ما يعني أنها قد تصبح متورطة في نزاعات حول الوصول إلى تلك المصادر الطبيعية المهمة. وكانت قضايا الطاقة سبباً في العديد من حروب الولايات المتحدة الساعية إلى الحيلولة دون استثمار الصين والهند واليابان في مجال الطاقة في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه نجد أن التجارة بين الدول الثلاث وبين الولايات المتحدة قد بدأت تدخل في موجة جديدة من الارتفاع، وهو ما تشير إليه آخر التقارير الصادرة في هذا الشأن ومنها أن مشتريات اليابان من المنتجات الصينية تفوق مشتريات الولايات المتحدة منها في الوقت الحالي. ورغم كل ذلك فإن وقائع التاريخ، تشير إلى أن العلاقات التجارية الوثيقة بين الدول الصناعية لا تمثل ضمانة للانسجام والتعاون بينها. ويمكننا لإدراك صحة ذلك، أن نعود إلى الأحداث التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى في أوروبا. ففي ذلك الوقت كانت معظم القوى الكبرى في القارة، خصوصاً بريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وروسيا، تقوم بالتجارة فيما بينها، كما كان لكل منها علاقات وثيقة ببعضها البعض. لكن ذلك لم يوقف تيارات التعصب القومي الشوفيني التي أشعلت شرارة الحرب العالمية الأولى في أغسطس عام 1914 ثم حركت من بعد ذلك الأحداث والتطورات التي جعلت من القرن العشرين أعنف قرن عرفته البشرية وأكثره تدميراً. قد يجادل البعض بالقول إن نماذج الصراعات التي سادت القرنين التاسع عشر والعشرين قد أصبحت عتيقة وغير قابلة للتكرار في عصر العولمة. لكن حتى إذا ما افترضنا صحة ذلك الزعم، فإنه يجب أن نعرف أن هناك قدراً كبيراً من عدم اليقين في الطريقة التي يمكن بها لهذه الدول، ذات النزعة القومية القوية وشديدة الاعتزاز بذاتها، أن تعمل مع بعضها البعض في الوقت الذي تتعرض فيه لضغوط من أجل أن تتعاون وتتنافس في عالم خطر مفعم بأنواع جديدة من الصراع. وكل دولة من الدول المذكورة لديها برنامج فضاء، كما أنها تعمل على توسيع نطاق نفوذها البحري. ولدى الصين والهند برنامج لزيادة مخزونيهما من الأسلحة النووية... أما اليابان فلديها برنامج مدني كبير للطاقة النووية يمكنها أن تحوله بسهولة إلى برنامج عسكري إذا ما توافرت ظروف تدعوها لذلك. وهناك ثلاثة دوافع يمكن أن تدفع اليابان إلى شراء أسلحة نووية هي: حدوث أزمة بشأن كوريا الشمالية، وحدوث مواجهة مع الصين بشأن تايوان أو حول الموارد البحرية، وتقلص ثقتها في قدرة الولايات المتحدة على العمل كقوة حامية لها. ويمكن لثقة اليابان في أميركا أن تتقلص، إذا ما تعرضت الولايات المتحدة إلى هزيمة مذلة في العراق تدفع الرأي العام الأميركي إلى مطالبة دولته بتقليص نزعة التمدد والانتشار العالمي لقواتها المسلحة. عند تلك النقطة تحديدا، ستتبدل موازين القوى في القارة الآسيوية وتظهر توازنات جديدة ذات تداعيات غير منظورة سواء بالنسبة للمنطقة أو للعالم بأسره.