أكثر من خمس سنوات انقضت على الهجمات الإرهابية التي هزت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر2001 دون أن يحصل شيء، وهو أمر ليس مستغرباً في رأي الكثير من المراقبين بالنظر إلى الجهود المضنية التي بذلت منذ ذلك الحين لإعادة تنظيم الأجهزة الحكومية واستحداث وكالة تسهر على منع تكرار هجمات إرهابية مماثلة أطلق عليها اسم وزارة الأمن الداخلي. وقد أنفقنا أيضاً المليارات من الدولارات لضمان تأمين الأهداف المحتملة، فضلاً عما قمنا به ضد تنظيم "القاعدة"، حيث اقتلع من ملاذه الآمن في أفغانستان، وقتلنا العديد من أتباعه في جميع أنحاء العالم، كما تعرضوا للاعتقال. واليوم إن كنت لا أرجح تعرض البلاد لهجمة إرهابية أخرى، إلا أن الشكوك ما زالت تراودني، لاسيما وأن "القاعدة"، حسب المعطيات المتوافرة، تبدو أكثر تصميماً من أي وقت مضى على ضرب الولايات المتحدة، وإلحاق الأذى ببنيتها التحتية، أو مرافقها الاقتصادية والاستراتيجية. والأهم من ذلك أنها تمتلك ما يكفي من القدرات للقيام بذلك؛ إذ رغم تعرض الكثير من عناصرها للقتل، أو الاعتقال منذ 11 سبتمبر، لم تتوقف عن استقطاب عناصر جديدة تبدو أكثر استعداداً ورغبة في ضرب أميركا. ولسوء الحظ، شكلت المغامرة العسكرية الكارثية في العراق فرصة أخرى لتأجيج ذلك الاستعداد وتلك الرغبة لدى أعداد متزايدة من الأشخاص الذين ما فتئوا يلتحقون بفكر "القاعدة" وأيديولوجيتها بعد أن نجحت في إعادة تنظيم نفسها داخل باكستان، وهي تسعى حالياً لاستعادة أفغانستان. والأكثر من ذلك أن دخول الإرهابيين إلى الولايات المتحدة ليس صعباً إلا بهامش بسيط مقارنة بما كان عليه قبل 11 سبتمبر، وما أن يتمكنوا من عبور الحدود حتى تظهر أمامهم الأهداف الكثيرة. فبالرغم من الحراسة الصارمة المضروبة على الأهداف المحتملة في الولايات المتحدة، فإنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب، ومازالت عرضة للهجوم. وحتى لا ننسى خطر تكرار هجمات مماثلة لما حصل في 11 سبتمبر، دعونا نلقي نظرة على ما شهده الأسبوع الماضي، فقد ظهر مجدداً أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" في شريط مصور، كما اعترفت وزارة الخارجية الأميركية بارتفاع الهجمات الإرهابية في أنحاء العالم. وفي بريطانيا أدين خمسة بريطانيين مرتبطين بـ"القاعدة" بالتخطيط لتنفيذ هجمات مروعة في بلدهم، مبرزاً خطر الإرهاب المحلي. يُضاف إلى ذلك ما أعلنه المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "جورج تينيت" من أن "القاعدة موجودة وتنتظر الوقت المناسب". وإذا كان من الصعب منع الهجمات الإرهابية بالمطلق، إلا أن هناك خطوات لابد منها لتقليص احتمال تعرضنا لتلك الهجمات وتقوية دفاعاتنا ضد أي ضربة محتملة. فعلى سبيل المثال يمكن تركيب أجهزة مسح في نقاط التفتيش بالمطارات المختلفة تعمل بأشعة "إكس" وتقوم بكشف جميع أنواع الأسلحة، التي يمكن أن يحملها معه المسافر سواء كانت مسدساً، أم سكيناً، أم غيرها. وهو الجهاز الذي يختلف عن تلك المستخدمة حالياً والعاجزة عن رصد ما يختفي وراء الملابس. ويمكن أيضاً وضع آلات تطلق أشعة خاصة تخترق الأمتعة وتقلبها من جميع الزوايا، ما يسمح برصد الأسلحة، والممنوعات. والأكثر من ذلك يتعين تثبيت أجهزة متطورة ترصد المتفجرات عند نقاط التفتيش قبل الصعود إلى الطائرة، وهو ما يقودنا أيضاً إلى ضرورة العمل على تطوير تكنولوجيا جديدة قادرة على كشف المتفجرات السائلة. يضاف إلى ذلك ضرورة إجراء تفتيش كامل للشحنات الجوية، بدل التفتيش الانتقائي الذي يعتمد حالياً بغية تقليص احتمال تهريب السلاح، أو ما شابه. ومن النقاط المهمة أيضاً لتكثيف الحماية الحرص على أن يكون موظفو المطار من الأميركيين فقط على أن يخضعوا للتفتيش بالأشعة عند كل نقطة عبور في المطار. وعلى صعيد الموانئ، لابد من إخضاع الشحنات القادمة من الخارج لتفتيش كامل واستخدام أجهزة الرصد المتطورة لكشف الأسلحة والمواد المتفجرة. وعلى الحدود علينا مضاعفة الدوريات بأكثر من ثلاث مرات ودعم جهود الحراس من خلال تزويدهم بمجسات للرصد، مع تثبيت الكاميرات، وإطلاق طائرات صغيرة للمراقبة. ومن الخطوات المهمة أيضاً إنهاء العمل ببرنامج عدم فرض التأشيرة التي يستفيد منها مواطنو بعض البلدان مثل فرنسا وبريطانيا لاحتمال استخدام الإرهابيين لجوازات مزورة وتسللهم إلى داخل الولايات المتحدة. ولابد أيضاً من استحداث نظام للخروج من البلاد على غرار نظام تسجيل الداخلين، وذلك لمعرفة ما إذا كان الإرهابيون الذين عبروا الحدود قد غادروا الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالمواصلات العامة، يتعين مد السلطات بالتمويل الكافي لنشر دوريات للشرطة في المحطات، وتزويدهم بالكلاب المدربة على كشف القنابل والمتفجرات، فضلاً عن تركيب كاميرات على أن يكون ذلك بصفة مستمرة، وليس قاصراً فقط على حالات الاستنفار الأمني. وبالطبع لا يمكن رفع درجة اليقظة والتأهب لمواجهة خطر الإرهاب دون انخراط الأجهزة الاستخباراتية وتزويدها للمعلومات أولاً بأول إلى وزارة الأمن الداخلي وتسريع وصولها إلى الجهات المختصة في الولايات المختلفة ولدى المسؤولين المحليين لتفادي أية مفاجأة. ولابد أيضاً من توفير قيادة واضحة في حال التعرض لهجمة إرهابية، تتولى الإشراف على عملية الإنقاذ وضمان وجود نظام فعال للتواصل مع الأجهزة الحكومية المعنية، فضلاً عن بلورة خطة ناجعة للإخلاء. ولأن تعرضنا لمحاولة إرهابية أخرى، قد يكون مسألة وقت لا أكثر، فإنه لابد من اتباع الخطوات السابقة للتقليل من فرص نجاحها. كلارك كينت إريفين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المفتش العام السابق في وزارة الأمن الداخلي الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"