أشار تقرير عربي إلى وجود انتهاكات واضحة طالت حرية الصحافة في البلاد العربية. وقال الأمين العام لاتحاد الصحافيين العرب: "إن الانتهاكات شديدة وتحولت إلى انتهاكات علنية بعد أن كانت غير مباشرة".! كما شهدت بعض الدول العربية عمليات تهديد وضرب صحافيين وتحّرش بصحفيات؛ ناهيك عن قتل 22 صحافياً في العراق واثنين في لبنان وواحد في ليبيا. وفي ذات الوقت؛ حفل التقرير -الذي وقع في 90 صفحة- بمعلومات غير صحيحة على أسئلة بعثت بها لجنة الحريات إلى نقابات وجمعيات الصحافيين! طبعاً لن نتحدث عن الأحوال في العراق -وهي التي تسببت في سقوط الضحايا الأكثر من الصحافيين؛ ولا عن لبنان كون هذا البلد الجميل له ظروفه الخاصة. بل إن الحديث ينصب على بقية الدول العربية التي لا تعاني حروباً أو ظروفاً خاصة وتُنتهك فيها حرية الصحافة. فجلّ هذه الدول لا تطبّق المبادئ الأساسية للديمقراطية؛ حتى تلك التي فيها صحف تسمى وطنية. وتقوم الصحافة فيها استناداً إلى مشاريع تجارية يرتبط أصحابها بمصالح الدولة؛ ويؤسسون أحكام "ملوك طوائف" بعيداً عن حرية التعبير أو الالتزام المهني لأصول الصحافة. وفي مناخ كهذا، يتم تغليب الربح على المهنية؛ والجور على العدالة، والتكالب على الاجتهاد. ومن مساوئ هذا المناخ ما يلي: 1- انحياز الجريدة لمصالح مالكيها واتجاهات كُتّابها وموظفيها؛ وهذا يعد انتهاكاً صارخاً للحرية الصحافية أو الحرية المهنية. لأن هذا الانحياز يصادر المهنية ويشوه رسالة الصحافة؛ ويُدخل الجريدة في لعبة المصالح وتشابك الاتجاهات والتأثير على حقيقة الأوضاع في أي بلد وإبعاد الرأي العام عن الحقيقة. 2- جور الإقصاء؛ وإقالة الصحافي (الموظف) حتى رئيس التحرير دون جريمة أو خطأ! ويظل المدير العام أو رئيس مجلس الإدارة سيفاً مسلطاً على رقاب الموظفين بما فيهم رئيس التحرير؛ بل على الكتاب أيضاً، وهذا يشيع عدم الاستقرار وانتهاك الحريات الخاصة بالموظف أو الكاتب؛ وبالتالي إخضاعه لمتطلبات المؤسسة؛ مخالفاً بذلك أصول المهنة. 3- تدخل الأطراف الحكومية -غير المرئية- في قرار النشر. وهذا يعد مخالفة لقانون المطبوعات ولحرية الكلمة التي تنصُّ عليها الدساتير. 4- مضايقة الكُتّاب وإلغاء أعمدتهم إن لم ينسجموا مع توجهات الجريدة. وهذه إشكالية تناقض ما تنص عليه الدساتير من "كفالة حرية التعبير"! 5- تسفير الصحافيين (العاملين في الحقل الإعلامي إن كانوا غير مواطنين) في حالات تعسُّف ودون وجه حق. 6- ضبابية تفسير بعض المخالفات التي ترد نصوصها في قوانين المطبوعات. وجرجرة الصحافي إلى المحاكم وتعرضه للتوقيف دون محاكمة. 7- وقوف رئيس التحرير -لاعتبارات مصالحية- مع نظام المؤسسة في حالات كثيرة؛ وذلك عندما يلمِّع بعض الأنظمة (تدفع له آخر العام)! وهنالك من رؤساء التحرير العرب الذين يقومون برحلات أشبه برحلة (الشتاء والصيف) لدول الخليج لاستلام "المقسوم"! نؤكد ليس كل رؤساء التحرير العرب يقومون بمثل تلك الرحلات! 8- ضعف دور النقابات والاتحادات الصحفية وسترها للتقارير والمعلومات -كما ورد في التقرير المشار إليه في بداية المقال. إن انتهاك الحريات الصحفية ليس فقط في قتل الصحافي أو ضرب مراسل محطة معينة! بل إن لكل بلد عربي أشكاله الخاصة من تلك الانتهاكات! لذلك نجد أغلب الصحافة العربية تعاني من غياب الجرأة والمصداقية. وإذا ما عرّجنا على الإعلام الرسمي -الإذاعة والتلفزيون- نجد أن الصورة السلبية في الإطار المهني أكثر بروزاً وذلك للأسباب التالية: 1- شدة التصاق الإعلام بالدولة؛ وصباغة الخطاب الإعلامي الشمولي بصورة سياسية لا إعلامية. 2- إلغاء برامج ينتظرها المشاهد أو المستمع عندما يكون هنالك نقل مباشر لحدث رسمي؛ لا يكون بالضرورة ضمن منظومة القيم الإخبارية أو البرامج المتعلقة بالشؤون العامة. 3- توقيف برامج أثبتت نجاحها وذلك لأنها قد تكون مسّت مصالح "مراكز قوى" في بلد معين. أو أنها اقتربت من الخط الأحمر للخطاب الثيوقراطي. 4- منع الصحافيين أو المبدعين الجادين من الظهور في الوسائل الإعلامية التي تعتبرها الدولة ملكاً لها. وبالتالي تمارس -بعض تلك الوسائل- العبث الإعلامي بالتركيز على النماذج الهشة أو البرامج والشخصيات البعيدة جغرافياً عن المشاهد المقصود. وهذا يحدِث "الاغتراب" المعروف في الإعلام. 5- كثرة الدعاية السياسية وظهور إعلاميين غير مؤهلين لصياغة خطاب إعلامي مستنير. وهذا يضعف المصداقية في ذلك الخطاب. كما أن تعامل المعدِّين والمذيعين -في بعض القنوات والإذاعات الرسمية- مع إنسان هذا القرن معاملة إنسان الخمسينيات يؤدى إلى إلغاء عقل المتلقي! وفي ذلك انتهاك واضح ليس لحرية الصحافة بل لحقوق الإنسان. 6- نظرة بعض القائمين على الأجهزة الإعلامية الرسمية -لهذه الأجهزة- وكأنها ممتلكات خاصة؛ وبالتالي يتصرفون داخلها -كما يتصرفون بالعزب والشاليهات- وكثيراً ما نسمع عن انتهاك للحريات الصحافية عبر مضايقة وإقصاء بعض العاملات والعاملين في تلك المؤسسات. 7- التوظيف غير المقنن للأقرباء دون أن تكون لديهم المؤهلات اللازمة لقيادة وتنفيذ العمل الإعلامي -وهذا ما استغلق على فهم البعض قبل فترة- ونسمع كثيراً عن محطات خليجية يتم فيها منح رواتب عالية جداً لموظفين لا يستحقونها! وفي ذلك انتهاك لحق موظف مؤهل آخر يستحق أن يكون في ذلك الموقع. وفي ذلك سوء استخدام لأموال تلك المحطات. وعلى المدافعين عن الحريات الإعلامية -وهم كثرٌ في منطقة الخليج- ألاّ يستذكروا فقط من يسقطون في ساحات العمل أو الذين يتم اعتقالهم؛ بل إن الحرية تفرض عليهم الوقوف في وجه مدير "حاكم بأمره " والذي يستغل أموال المحطة أو الجريدة في غير الصالح العام وفي غفلة من التاريخ وأهله. صحيح لابد لنا من الدفاع عن الحريات وشجب حبس الصحافيين وخطفهم وقتلهم دون وجه حق؛ ولكن علينا أن نكمل مشوار الحرية "الجميل" بكشف الانتهاكات الأخرى. لأنه لا يمكن أن توجد حرية دون وجود مهنية. وإن المهنية الإعلامية هي الفيصل الذي يحدد مواقع الانتهاكات والاشتباهات وصورها. نحن ندرك أن "المستفيدين" من وجود حالات انتهاك المهنية كثيرون. بل وقد يدافعون دفاعاً أعمى عن مؤسساتهم -التي يعشش فيها الفساد الإداري- ويساندون مديراً ظالماً يكتشفون سرقته بعد فوات الأوان! والغريب أنه توجد حالاتُ تجاوزٍ وانتهاكات لحقوق إعلاميين في المنطقة العربية؛ ولربما لعدم ثقة أو عدم حب -نجد من هؤلاء من يُبعدون عن مجالات تخصصهم وخبراتهم وينظر إليهم وكأنهم من طلاب الصف الثالث ابتدائي! بينما نشهد حالات لمخالفات مهنية في العديد من المحطات الفضائية ومحطات الـ (F.M) وبصورة مقززة؛ حيث تنتهك المهنية الإعلامية؛ بل تنتهك حقوق الإنسان (المستمع والمشاهد)؛ كما بدأت تنتشر الشركات "الوهمية" المستترة حول بعض المحطات الخليجية؛ وصارت لغة العمولات والأنصبة ترتفع مع تلك الشركات؛ خصوصاً في ظل "غفلة" البعض و"شطارة" البعض الآخر! والأحاديث كثيرة عن برامج تكلف الملايين!! نحن نريد من اتحاد الصحافيين العرب أن يكون شفافاً. ويتدارس الظواهر السلبية التي تكتنف إعلامنا العربي. وأن يُصدر بياناً واضحاً حول جميع الانتهاكات والمخالفات الإعلامية. صحيح إن الدفاع عن قتل صحافي أمرٌ إنساني ومهني وكلنا نشجعه؛ ولكن الدفاع عن أصول المهنة أيضاً أمر إنساني ومهني! والدفاع عن الصحافيين الأحياء أيضاً أمرٌ إنساني ومهني!