لا يمر عليّ يوم بدون رسالة إيميل، من عصابات تبييض الأموال، تسلطوا عليّ ولا أدري كيف أحرزوا عنواني الإلكتروني؟ لولا عيون القطط، وتربص الأفاعي، وصبر سمك القرش... فهي تصب عليّ بعناوين شتى، مثل: رجاء الإجابة، مستعجل من فضلك، السلام عليكم ورحمة الله... وذلك من زوايا شتى من العالم، لكن أكثرها من أفريقيا السوداء. معظمهم -وهم نساء ورجال- يقولون إن أحدهم كان في منصب رفيع، أي "حرامي كبير"، لأننا نعلم ذلك من الأنظمة الثورية جيداً، فوزير "الثقافة" هو وزير "سخافة"، ووزير التجارة هو زعيم اللصوص، ووزير السياحة "فقيه الفسوق والمجون"، ووزير التعليم العالي هو لهدم كل قيمة عالية، ورئيس اتحاد الكتاب هو الرفيق الحزبي من العصابة، مهمته تزيين وجه الوحش بالمكياج ليكون ملكة الجمال، ووزير الإعلام هو طبل أجوف للنظام، من نوعية الصحاف وأحمد سعيد الذي استمر يعلن إسقاط الطائرات بالمئات، ليبلغ رقماً أكبر مما تملكه روسيا وأميركا والصين معاً، إلى أن علم المواطن العربي المستباح من الرفاق، أن المعركة حسمت ليس في ستة أيام بل ست ساعات، فهو الصنم الناصري، وهي من أعاجيب قصص التاريخ الحديث، شاهداً على صبيانية الشعوب وتفاهتها وضعف المؤسسات ورجال الفكر والقانون. هؤلاء المجرمون لا أعرف كيف أصد بلاهم وكتاباتهم عني! وقد ازدادت على نحو فاحش، وكانت تأتي في الأيام مرة، لكن هاهي تأتي في اليوم الواحد مرات، وأنا حائر في كيفية صد حاجز الجريمة والسحت والمال الحرام... ولو أنصت وقرأت واستجبت للإغراء، لكان شيئاً عجيباً، فكل واحد يريد تحويل عشرات الملايين من الدولارات، ولا أدري من أين أتوا بهذا المال الحرام، لموظف في أفريقيا! وأنا أعلم جيداً هذا الأمر من الأنظمة الثورية العربية، فضابط الاستخبارات هناك راتبه أقل من راتب عامل في محطة بنزين على الطريق السريع، بين القصيم والرياض، لكنه يركب سيارة مرسيدس، وفي يده كابل صيني للضرب ولسع الكهرباء، لأخذ اعترافات الزور والبهتان، وفي عنقه ربطة عنق أميركية، وهو يلعن أميركا، وعلى جبهته نظارات إيطالية، كرمز للتصدي والصمود ضد الإمبريالية، وكرشه متدل من لحم السحت، يعيش مثل مهراجا، تحوطه راقصات المعبد بثماني أياد، يرقصن في مجده الثوري... ينقصه باقة ورود بيضاء، وفيل أبيض لاعتلاء ظهره، كما يعتلي رقاب العباد العبيد.. والسر، هو الفساد! فالكل يحج لعنده رجالاً ونساءً، يقدمون بين يدي نجواهم صدقات، والنجوى هي بالإثم والعدوان، من تقرير كاذب، ومعلومة مضللة، وفساد لا نهاية له، والصدقات جزية تدفع عن يد وهم صاغرون، من ساعات وأقراط وعملات منوعة باليورو والدولار وأساور من ذهب، وأكواب من فضة قدروها تقديرا.. كله من أجل دفع الأذى عن أولادهم، وأولئك الفاسدون لا يملكون لأحد ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، لكنها أوهام الناس. هذا الفساد هو ما كتب عنه رئيس وزراء ماليزيا السابق "كوان لي"، كتاباً بحجم ألف صفحة، يقول فيه إن النظافة في النظام، يجب أن تبدأ مثل تنظيف الدرج من الأعلى للأسفل، فلا يمكن تنظيف البناية مقلوبة، وهو ما تضحي به الأنظمة الثورية من أكباش الأنظمة الفاسدة، فتضحي بالكبش الأملح ولا تبالي، ويبقى الضواري في أماكنهم لا يلمسون. ويبقى درج البناية في أقذر أوضاعه.. قال الرجل الحكيم إن أهم ما يجب فعله لإصلاح أي نظام سياسي، هو التعليم والقضاء على الفساد. وفي الأنظمة الثورية، لا يمكن مكافحة أي فساد، لأن رأس الدولة، وكل الدولة، مافيا مدربة على "التشليح" والحبس والفلق والقتل والرعب... كما رأينا في فيلم "العراّب" (Godfather)، فلا عجب إذن أن نرى التفجيرات مثل فقاقيع ماء يغلي في طنجرة بخار، بدون فنتيل، مهددة بالانفجار!