في الأسبوع الماضي دخل الرئيس بوش والكونجرس في مواجهة بشأن تمويل حرب العراق، وهي مواجهة لم يكن من المفروض في رأيي أن تحدث. وقد غطى صخب الصراعات السياسية التي انخرط فيها الجميع في ذلك الأسبوع، على حقيقة غاية في الوضوح، وهي أن قادة أميركا السياسيين قد ظلوا عازفين خلال السنوات الماضية عن مواجهة الجمهور بحاجة البلاد إلى تضحيات مالية للإنفاق على الحرب في العراق، وعلى الحرب المستمرة ضد تنظيم "القاعدة"، وهي حقيقة يمكن أن يترتب على الاستمرار في إهمالها كوارث في المستقبل. لم يكن الأمر دائماً على هذا النحو في أميركا: ففي أعقاب الهجوم الذي شنه اليابانيون على ميناء "بيرل هاربر" لم يحاول الرئيس "فرانكلين روزفلت" أن يحاور ويداور في أحاديثه الموجهة للشعب الأميركي وإنما قال لهذا الشعب بصراحة" إن الحرب تكلف أموالاً، وأن توفير تلك الأموال يتطلب زيادة الضرائب، كما يتطلب إصدار سندات حكومية لتمويل الحرب، وخفض الإنفاق على الرفاهية وغيرها من أنواع الكماليات." لقد كان كل ما نتمناه، هو أن يقول قادة اليوم في أميركا كلمات مثل هذه بيد أننا بدلاً من ذلك، سمعنا بوش والكونجرس يقللون من شأن نفقات الحربين اللتين تخوضهما أميركا في العراق وأفغانستان. فبدلاً من أن تقوم الإدارة مباشرة بدعوة الجمهور للمساهمة في تحمل النفقات الباهظة التي يتعين على أميركا إنفاقها في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، فإنها عمدت إلى الالتفاف حول الإجراءات المعتادة المتعلقة بالميزانية واعتمدت على ما يعرف بـ" المخصصات الإضافية". ولم يقتصر الأمر على عدم فرضها لضرائب جديدة، وإنما قامت بتخفيض لبعض الضرائب القائمة. قد يقول قائل إن مؤيدي حرب العراق قد تصوروا في البداية أن تلك الحرب ستكون قصيرة وغير مكلفة مادية، وأن تمويلها بالتالي سيكون ميسوراً. أو لعلهم اعتقدوا أن التمويل عن طريق مخصصات الطوارئ أو المخصصات التكميلية سيكون كفيلاً بتدبير الأمر وإدامة دعم الشعب للحرب، دونما داع لإتباع الإجراءات المطولة التي يتبعها الكونجرس عادة لاعتماد المخصصات. والحقيقة إن الإدارة كانت ستكون أكثر حكمة، لو أنها قامت منذ البداية بمصارحة الشعب الأميركي بأن الحرب ستتطلب نفقات باهظة خصوصاً وأن تلك التكاليف قد ارتفعت وسوف ترتفع إلى مستويات قياسية. فلو أنها قامت بتلك المصارحة لكان الكثيرون قد تقبلوا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أن تقوم الحكومة بتخفيض أو إلغاء بعض الدعم الذي كانت تقدمة لبعض البرامج الكمالية من أجل مواجهة الزيادة في الإنفاق في مجال الأمن الداخلي، أو في المعركة ضد الإرهاب. ولو أنها فعلت ذلك لكان العديد من الأميركيين قد أصبحوا على استعداد لتحمل بعض النفقات من أجل شراء سندات خزانة لتوفير الدروع اللازمة للجنود الأميركيين في العراق أو توفير سيارات أفضل حماية وتحصينا للقوات التي تقاتل في ذلك البلد، أو حتى من أجل توفير رعاية صحية أفضل للعائدين من ميادين القتال أو لعائلاتهم في الوطن. لسنوات طويلة، لم يخف أسامة بن لادن نواياه في قتل أكبر عدد ممكن من الأميركيين، وإلحاق إضرار بالغة بالاقتصاد الأميركي. وكان ذلك في الحقيقة كافياً لكي يقوم قادتنا برسم خطط بعيدة النظر وطويلة الأمد من أجل مواجهة تكلفة الجهود الجادة التي يتعين القيام بها ضده وضد منظمته والمنظمات المتأثرة به. إن الأمة الأميركية يجب أن توفر النفقات اللازمة لخوض الحرب طويلة الأمد من أجل الحيلولة دون وقوع هجوم إرهابي آخر يلحق أضرارا كارثية بالولايات المتحدة الأميركية، والتصدي له بحسم في حالة وقوعه. ولكن قادتنا للأسف الشديد لم يقوموا بذلك بدليل أننا لازلنا حتى هذه اللحظة نواجه عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر بسياسات مالية تنتمي إلى ما قبل هذا التاريخ. والحقيقة إنه لا يوجد لدينا حتى الآن حوار وطني جامع بصدد الكيفية التي سنقوم بها بدفع فاتورتنا الأمنية في المستقبل، كما لا توجد لدينا خطة لاستبدال المعدات المدمرة في العراق، وتوفير التمويل اللازم للجيل التالي من الأسلحة المتطورة، والعناية الطبية بجنودنا العائدين من جبهات القتال، وتزويد رجال الإطفاء والشرطة بالمعدات والأسلحة التي تمكنهم من الاستجابة للهجمات الإرهابية، وتعزيز نظام استخباراتنا المتهافت. علاوة على ذلك كله، لا توجد لدينا أية خطة لتوفير المناخ المالي الأساسي الضروري لتعزيز اقتصادنا وتوفير حاجات قواتنا العسكرية. ومما يفاقم من خطورة هذه الحالة أن برامج التزاماتنا الفيدرالية المستقبلية ستحتاج منا إلى أموال باهظة تتطلب منا تغيير مشهد الموازنات المالية تماماً. فالإنفاق على أمننا القومي يبلغ 5 في المئة من ناتجنا القومي الإجمالي، مقارنة بـ40 في المئة في الحرب العالمية الثانية، و15 في المئة في الحرب الكورية و10 في المئة خلال الحرب الفيتنامية. وقد يعتقد البعض أن ذلك سوف يجعل من السهل على الإدارة الأميركية أن تطالب بزيادة الإنفاق على الأمن القومي، وأن ذلك الطلب سيقابل بالموافقة من جانب الكونجرس غير أن الأمر ليس كذلك في الحقيقة. يرجع السبب في ذلك إلى أن الأموال الضخمة التي تحتاجها برامج الالتزامات الفيدرالية مثل الضمان الاجتماعي والعناية الصحية والبرامج التعليمية سوف تمتص الغالبية العظمى من ناتجنا القومي الإجمالي بما يؤدي إلى تهميش باقي البرامج الأخرى وعدم قدرتها على الحصول على المخصصات اللازمة. ومما يفاقم من هذا الوضع هو أننا قد واجهنا منذ الحادي عشر من سبتمبر سلسلة من حالات العجز في الميزانية ساهمت في جعلنا مكشوفين مالياً وهذه الحالات للأسف يتوقع أن تتزايد مستقبلا مما قد يورطنا في كوارث لا حصر لها. وفي رأيي أن الجهد الثنائي من الحزبين كفيل بتجنب تلك الكوارث بشرط أن يقوم الرئيس والكونجرس معا بتحديد أولويات واضحة لإنفاقنا الدفاعي، وأن يبدأا في إجراء إصلاحات جادة لجعل برامج الالتزامات الاجتماعية الفيدرالية قابلة للإدامة مع البدء في تمويل الحرب من خلال إجراءات ميزانية عادية بدلاً من أسلوب المخصصات التكميلية وغيرها من الحيل المالية التي ليس هذا أوانها. روبرت د. هورماتس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو بمجلس الأمن القومي الأميركي في إدارات نيكسون وفورد وكارتر ومؤلف كتاب:"ثمن الحرية:دفع نفقات حروب أميركا". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست".