من ناحية، يمكن القول إن الديمقراطية في نيجيريا خطت خطوة كبيرة إلى الخلف في أبريل الماضي؛ حيث شابت الانتخابات الوطنية والانتخابات على صعيد الولايات أعمالُ غش وتزوير، يرى جل المراقبين أنها كانت أسوأ من انتخابات 1999 و2003 التي تخللتها عدة خروقات وتجاوزات. وفي هذا الإطار، يرى مراقبون من الاتحاد الأوروبي أن انتخابات أبريل المنصرم افتقرت إلى المصداقية؛ في حين طالب مراقبون نيجيريون بإلغاء نتائجها وإعادة إجرائها. فحسب رئيس مجلس "الشيوخ"، "كين ناماني"، وهو عضو في حزب الرئيس المنتخَب، "عُمارو يارادوا"، فإن هذا الأخير يواجه "أزمةَ شرعية"، وهو رأي يشاطره العديد من النيجيريين والمحللين الذين يخشون أن تكون البلاد بصدد المشي على حافة الهاوية. بيد أنه من ناحية ثانية، فإن الاختبار ليس سوى في بدايته؛ فهل ستنجح نيجيريا في رفع التحديات القانونية والسياسية للانتخابات بطريقة سلمية، على نحو يُمتن ديمقراطيتها الفتية ويعززها بدلاً من أن يضعفها؟ الواقع أن ثمة أسباباً عديدة تدفع للاعتقاد بأن نيجيريا مؤهلة للصمود في وجه ما قد يطبع الأسابيع المقبلة من طعون وتوترات، وذلك خلافاً لما يعتقد بعض المحللين. وفي هذا الإطار، يقول "كريس فومونيو"، مدير البرامج الأفريقية في "المعهد الديمقراطي الوطني"، وهو منظمة للنهوض بالديمقراطية يوجد مقرها في واشنطن، وتنشط في نيجيريا وبلدان أخرى: "إن الانتخابات لوحدها لا تعني الديمقراطية". ويرى "فومونيو" أنه إذا كان التصويت جزءاً أساسياً من العملية الديمقراطية، فإنه لا يمثل سوى الجزء الأول، وأحياناً الجزء الأصغر، فيها. فمثلما تُظهر ذلك الانتخاباتُ الناجحة التي جرت مؤخراً في بلدان أفريقية عانت طويلاً من الأزمات والحروب مثل ليبيريا والكونغو، فإن تنظيم انتخابات شفافة وذات مصداقية ممكن، وهو ما تنتج عنه لحظات ارتياح يشجعها العالم. غير أن بناء ديمقراطيةٍ ناجحة وفعالة مهمةٌ مختلفة جداً. فالكونغو وليبيريا، على سبيل المثال، بَلدان مدمَّران يفتقران إلى المؤسسات. والواقع أن الزمن وحده كفيل بإثبات تحولهما مستقبَلاً إلى بلدين ديمقراطيين تنفَّذ فيهما إرادةُ الشعب. والحقيقة أن نيجيريا هي أقرب ما تكون من هذا الطريق. فبعد ثماني سنوات من الحكم المدني التي أعقبت فترة الهيمنة العسكرية على الحياة العامة، ما فتئت مؤسسات نيجيريا تتحسن وتتقوَّى يوماً بعد يوم، وذلك بالرغم من الفوضى الانتخابية الأخيرة. فالعام الماضي مثلاً، رفض البرلمانُ محاولة أنصار الرئيس "أولوسيجون أوباسانجو" تعديل الدستور من أجل السماح له بالترشح لولاية رئاسية ثالثة، وذلك بالرغم من الضغوط الكبيرة التي مارستها النخبةُ السياسية التي كانت ترى أن مصلحة البلاد تقتضي الحفاظ على "أوباسانجو" رئيساً وقد علّل العديد من المشرعين رفضهم لهذه الخطوة بالأسباب الطائفية؛ ذلك أن القوانين غير المكتوبة، التي ترمي إلى الحفاظ على السلام في بلد منقسم عرقياً ودينياً، تنصُّ على ضرورة أن يكون الرئيسُ المقبل مسلماً من شمال البلاد على اعتبار أن "أوباسانجو" مسيحي من جنوب غرب البلاد. ومهما تكن الدوافع الحقيقية وراء رفض البرلمان، فإن الأكيد هو أن هذه المؤسسة قد نجحت في فرض استقلاليتها. وقد أظهرت المحاكم بدورها استقلالية مماثلة؛ فقد دفع العداءُ الذي يجمع "أوباسانجو" ونائب الرئيس "عتيق أبوبكر" حلفاءَ الرئيس إلى السعي إلى استغلال اتهامات بالفساد، كانت قد رفعتها لجنةٌ إدارية في وقت سابق، من أجل قطع الطريق على "أبوبكر" والحيلولة دون ترشحه للرئاسة. غير أن المحكمة العليا النيجيرية أصدرت حكماً لصالحه مكَّنه من العودة إلى الترشح قبيل بدء الانتخابات. وعلاوة على ذلك، فإن المنظمات المدنية والدينية القوية في نيجيريا، التي كانت متوارية ومقصية عن الحياة العامة أثناء الحكم العسكري، ازدهرت وتطورت إلى أجهزة للمراقبة، حيث تقوم بانتقاد الحكومة بكل حرية، بل وتندد بطريقة تعاطيها مع الانتخابات. وفي غضون ذلك، أوفدت وسائل الإعلام النيجيرية جيوشاً من المراسلين عبر 36 ولاية من أجل إرسال تقارير حول الانتهاكات والخروقات. وفي هذا السياق، تقول "مادلين أولبرايت"، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، التي تتزعم فريقاً من المراقبين التابعين لـ"المعهد الديمقراطي الوطني": "ثمة تقدم على صعيد بعض عناصر الديمقراطية... باستثناء العنصر الانتخابي". لقد أصبح من الواضح أن "الحزب الديمقراطي الشعبي" الحاكم، قد شق طريقه في عدد من مناطق البلاد؛ غير أن هذه النجاحات الكاسحة سرعان ما ستتعرض للطعن في المحاكم القانونية ومحكمة الرأي العام. وبالمقابل، يرجح محللون ألا يتغير النجاح الكبير الذي حققه "يارادوا"، الذي حصل على 72 في المئة من الأصوات. وبالتالي، فمن الأرجح أن يصبح رئيساً للبلاد في التاسع والعشرين من مايو بعد تنحي "أوباسانجو" عن السلطة. إلا أن "يارادوا" سيواجه جمهوراً معادياً وتحديات جمة من قبل المؤسسات التي تعززت من جديد بهدف مراقبة السلطة التنفيذية في البلاد. وفي هذا الإطار، يقول "ستيفان موريسون"، مدير برنامج أفريقيا بـ"مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" في واشنطن: "لقد أدت الانتخابات، على نحو مثير للسخرية، إلى انكماش كبير في قدرة "الحزب الديمقراطي الشعبي" على الزعامة، مضيفاً "لقد أصبحوا، بعد هذه الانتخابات، أكثر ضعفاً في مواجهة الأزمات وأقل قدرة على الحكم". ليديا بولجرين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلة "نيويورك تايمز" في لاجوس - نيجيريا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"