في الأول من مايو 2003 وقف الرئيس الأميركي جورج بوش أمام جنود مبتهجين بالعودة من العراق على حاملة طائرات بالقرب من شواطئ كاليفورنيا وتحت شعار "مهمة منجزة"، ليعلن الانتصار في حرب العراق وإنهاء العمليات القتالية الكبرى هناك. لقد كان بوش تحت تأثير مخادع بأن خطط "المحافظين الجدد" ستأتي بنصر سريع يكون الرافعة للهيمنة الأميركية على المنطقة ونفطها وحماية إسرائيل وتعويمها وترهيب الأنظمة والمنظمات "المعادية"، بل وحتى الأنظمة الحليفة التي تخيل أنها ستدخل بيت الطاعة الأميركي وتطبق الإصلاحات السياسية على غرار ما حدث في العراق بوصفه القدوة والمثال والنموذج للمنطقة كلها. وعلى قول بول وولفوفيتز، المحاصر الآن بفضيحته، فإن الديمقراطية ستنتشر من إيران إلى سوريا، انطلاقاً من العراق. لكن خلال الأربعة أعوام التي أعقبت خطاب النصر ذلك، كم تغير المشهد العراقي والإقليمي والأميركي؟ لقد تغير كل ذلك بشكل مأساوي وازدادت أعداد الخاسرين وتقلصت أعداد المنتصرين لتنحصر بخصوم واشنطن. لقد تبخر كل ذلك وثبت أن أحلام "المحافظين الجدد" لم تكن سوى كوابيس يدفع العراقيون أثمانها الباهظة بشكل يومي. حيث تحولت السيارات المفخخة وأعمال القتل والترحيل المذهبي والتقسيم والحرب الأهلية... خبزاً يومياً لملايين العراقيين الذين قتل وأصيب منهم مليون شخص، فضلاً عن أربعة ملايين لاجئ في الداخل والخارج. شيئاً فشيئاً تحول الانتصار المبكر إلى هزيمة وتحول التحرير إلى احتلال وبات العراق مستنقعاً لأميركا التي سقطت في امتحان الأخلاق والقيم في "أبو غريب" وقبله وبعده في غوانتانامو وحديثة والفلوجة. برزت لعنة العراق في خسارة "الجمهوريين" للانتخابات النصفية في نوفمبر 2006، وعبر وجود أغلبية أميركية غير راضية عن مسار الحرب ويائسة من إمكانية الانتصار فيها. خسرت أميركا أكثر من 3333 قتيلاً و25 ألف جريح، كما فقدت هيبتها حول العالم، بسبب حرب لم تكن ضرورية كما يقول الاستراتيجيون الأميركيون. لعنة العراق تمثلت أيضاً في تمرير الكونجرس بمجلسيه قانوناً جديداً يدعو إلى الانسحاب ومن شأنه أن يجعل بوش وإدارته أكثر ضعفا وارتباكاً. فقد صوت الكونجرس على ربط تمويل الحرب (95 مليار دولار إضافية) بالانسحاب التدريجي خلال عام. وهذا ما دفع الرئيس بوش إلى التلويح باستخدام "الفيتو" ضد مشروع القانون. لكن المشهد يزداد تعقيداً مع تصويت أغلبية لجنة مراقبة عمل الحكومة لاستدعاء وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس للمثول أمام الكونجرس وتقديم تبريرات الإدارة للحرب، في تحدٍّ جديد لهذه الإدارة. وينضاف إلى ذلك ما رشح من كلام متشائم لقائد القوات الأميركية في العراق الجنرال باتريوس حول الأوضاع هناك، علاوة على الانتقادات التي وجهها مدير عام الاستخبارات الأميركية السابق جورج تينيت للإدارة ولنائب الرئيس ديك تشيني، متهماً إياهما بالدفع للحرب، وقائلاً إن الإدارة لم تقم بأي نقاش جاد حول أدلة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، بل سعت للوم الاستخبارات على بعض الأخطاء. يرافق كل ذلك بروز انقسامات داخل "الحزب الجمهوري" والذي بدأت بعض قياداته في الابتعاد عن بوش. لذلك فالأشهر القادمة ستكون مصيرية بالنسبة للإدارة ولرئيسها. لعنة العراق تبدو ككرة ثلج تتدحرج من قمة الجبل مع زيادة التشنج والتقاذف بالاتهامات في واشنطن، قبيل معركة الانتخابات الرئاسية التي سيكون العراق محورها الأبرز، وهذا ما كان واضحاً في المناظرة الأولى للمرشحين "الديمقراطيين" الثمانية خلال الأسبوع الماضي، وقد أجمعوا على كيل الاتهامات لبوش ومطالبته بإخراج القوات من العراق. كذلك يتفق خصوم واشنطن الذين يرون عجزها عن تحقيق نصر ويتجرؤون عليها، وقد أصبح أبرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتكتمل لعنة العراق مع بدء العد التنازلي لإعلان الهزيمة والانسحاب من العراق. والسؤال الكبير: ماذا سيحل بالعراق والمنطقة عندما يحدث ذلك، وماذا أعددنا لذلك اليوم؟ ومن المنتصر ومن المنهزم؟ الإجابة عن ذينك السؤالين قد ترسم صورة كارثية لمشهد بالغ التعقيد والخطورة، لا نملك كثيراً من الخيارات للتأثير على مخرجاته المقلقة. لكننا نملك القدرة على التحضير والاستعداد للتعامل مع سيناريوهات صعبة ومعقدة إذا أعددنا لها أنفسنا.