المذبحة التي أسفرت عن مصرع 32 طالباً في حرم جامعة فرجينيا للتقنية وموضوع الإعلامي الشهير "دون آموس" ساهما -كل على طريقته- في تعرية بعض المشكلات المقلقة التي تكتنف الثقافة الأميركية المعاصرة. نحن معشر الأميركيين -وأرجو أن يتأكد الجميع من ذلك- شعب طيب. ونحن أيضاً دولة خيرة عطوفة، وهو ما يتبين من أعمال الخير التي لا تعد ولا تحصى، التي يقوم بها المواطنون الأميركيون كل يوم، والتي تمس حياة الملايين في مختلف أنحاء العالم. وأعمال البر والخير التي نقوم بها نموذجية مثلها في ذلك تماماً مثل التزامنا باللعب النظيف، أي بالعمل وفقاً للقواعد والقانون. وذلك الفيض من المساعدات التي نقدمها لضحايا الكوارث الطبيعية، الكبير منها والصغير، يحمل في طياته دليلاً يثبت بما لا يدع مجالاً للشك كل ما ندعيه حول هذا الأمر. وهو ما ينطبق أيضاً على تلك الجهود التي تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم، والتي تقوم بها منظماتنا غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان التابعة لنا. ونستطيع أن نقول إن كل ذلك يدعونا للفخر بقيمنا وبالعديد من ممارستنا التي تأتي تعبيراً عن تلك القيم. ولكن عندما ندقق النظر فيما نقوم به، فإنه تظهر أمامنا مشكلاتنا أيضاً. نحن مجتمع مبتلى بالعنف سواء كان هذا العنف فردياً أو مؤسسياً منظماً أم عشوائياً. ففي العام الماضي وحده وصل عدد الأميركيين الذين يلقون مصرعهم يومياً جراء استخدام الأسلحة النارية إلى 80 شخصاً تقريباً، وهو ما يعني أن أميركا تعد واحدة من أكثر أمم الأرض عنفاً. وثقافتنا أيضاً هي ثقافة مشحونة بالعنف بدءاً من أفلام الكرتون التي يشاهدها الأطفال إلى الأفلام السينمائية العادية وبرامج التلفزيون وأفلام الفيديو والموسيقى الشعبية بحيث يجوز القول إن العنف يحيط بنا في كل مكان، وإننا قد اعتدنا عليه بل كثيراً ما نقوم بالاحتفاء به، كما يحدث في الداخل الأميركي، أو كما يحدث في الخارج الذي يتعرض لعنف مغامراتنا العسكرية. إن العنف يمثل إشكالية ثقافية ويجب علينا أن نواجهه بجسارة. وهناك مشكلة موازية، ألا وهي مشكلة الكراهية والخشونة التي تسم خطابنا العام. إن إقالة "دون آموس" الذي تفوه بعبارات عنصرية بحق فريق نسائي جامعي لكرة السلة، كان إجراءً سليماً على الرغم من أنني أخشى أن يكون ذلك متعلقاً بفقدان العوائد الإعلانية أكثر من تعلقه بفجاجة عباراته والضرر الذي سببته. وعلى الرغم من "آموس" قد رحل، فإن هناك الكثيرين غيره على الساحة ممن ينتجون خطاب الكراهية الآخذ في التغلغل والانتشار تماماً مثل جرائم الكراهية، وهما أيضاً مشكلتان يجب أن نواجههما بجسارة. غير أن ما يعوق ذلك هو أن البعض منا يريدون إسكات أي مناقشة، ولنا هنا أن نتذكر تلك الانتقادات العنيفة التي وجهها "تشارلز كروثمار" لدعوة "باراك أوباما" لفحص الدروس التي يتعين علينا أن نتعلمها من أشكال العنف العديدة اللفظي والفعلي التي تحيط بنا والتي تسم حياتنا. إن هذا الانتقاد وغيره يدعوني للقول بأننا في حاجة إلى القليل من البحث في أعماق النفس، وإلى الإجابة على الأسئلة التالية: ما هو الدور الذي تلعبه الأفلام العنيفة في جعل العنف ليس مقبولاً فقط ، وإنما جذاباً أيضاً؟ أليس استحضار "تشو" لبعض المشاهد التي كان قد رآها في أفلام حديثة في تنفيذ مذبحته حالة ينطبق عليها ما نقول؟، وما هو الدور الذي يلعبه خطاب الكراهية في خطابنا العام في الترويج لجرائم الكراهية والتشجيع عليها؟ ما هو الدور الذي يلعبه تفشي العنف في موسيقانا وغيرها من أشكال ثقافتنا في الحط من قيمنا والدعوة لنوع من السلوك المتسم بالعنف وعدم الاحترام تجاه المرأة؟ وما هي الدروس التي يقدمها لنا قادتنا عندما يدافعون عن شخص مثل "آموس" والاستمرار في قبول خطاب مروجي الكراهية والعنف أو استخدام مثل هذا الخطاب بأنفسهم (كما فعل جون ماكين عندما أنشد بيتاً من أغنية ساخرة يقول: اقصفوا إيران... وهي أغنية بشعة لا تستهدف إيران فقط ولكن المسلمين بشكل عام)؟ تلك أسئلة يجب علينا عدم التهرب من إجابتها بأي حال من الأحوال. وأختتم هذا المقال بما بدأته به بالتأكيد على طيبتنا كشعب بيد أنني أنبِّه إلى أن ذلك لا يعني أننا نخلو من الشر، وأننا يجب ألا نركز على جانب دون الآخر. فالتركيز على جانب الخير وحده لن يكون في مصلحتنا، لأننا سنغض الطرف في تلك الحالة عن المشكلات مما يؤدي إلى تفاقمها. كما أن التركيز على جانب الشر وحده، يؤدي إلى فشلنا في التعرف على قدرتنا على فعل الخير وبالتالي فقداننا للأمل في إمكانية تحقيق تغيير إيجابي. إن دروس الأسابيع القليلة الماضية -وهي دروس حافلة بالدلالات- يجب أن تستفزنا جميعاً لدراستها واستخلاص العبر منها.