جاء في المادة الأولى في الدستور الألماني لعام 1949: "كرامة الإنسان مقدسة لا يجوز مسُّها، وجميع السلطات ملزمة باحترامها وحمايتها". هل القانون كان من أهم أسباب نهضة أوروبا القادمة من عصور الظلام، لتذهب بثقة وعبر قرون لعصر التنوير؟ فالإنسان كان الرهان الأهم في السباق المحموم نحو العصرنة والتحديث، وكان هو الحصان الكاسب على طول الخط لتتشكل أفكار الحرية والديمقراطية والاهتمام بالتقدم، كسمةٍ مهمة من سمات الحضارة الغربية. وعلى الضفة الأخرى، نقف نحن ننتظر مرور الوقت، لتأتي فرصة الاعتراف بالإنسان ككيان، دون فقه الأبوة ولغة التسلط وخطاب يعزز التسلسل الهرمي والتبعي في علاقة الإنسان بالآخر وبما حوله. ولعل أكثر ما يفتقده الإنسان على ضفاف العروبة هو ذاك الهم بالمشاركة، المشاركة في قرار ينصفه ويعطيه فرصة التفكير وبالتالي القبول أو الرفض، ويبرز إنسانيته في كونه مواطناً من واجبه أن يشارك صناع القرار في ما يخص أدق تفاصيل بلاده. وحتى على مستوى الخطط التنموية بكافة القطاعات تعتبر المشاركة عنصر النجاح الأساسي في الوصول إلى النتائج المرجوة منها. لكن المشهد قد يكشف استمراء الحال والواقع، ويبقى الأمر والسلطة لدى صناع القرار فردية لأبعد حد، ويظل الخطاب الأبوي يكرس ذاته بشكل يستدعي الإعلان عن ضرورة أن يكون هناك حوار ثنائي الاتجاه ويتوازى مع متطلبات إنسان المكان وهمومه وأحزانه وأحلامه. فالمشاريع التي باتت تغزونا من كل الاتجاهات ما هو موقف الإنسان منها؟ رغم أنها تمس مساً مباشراً تفاصيله اليومية وبيئته المعاشية وتمتد على أرض أجداده وينتهي به الأمر إلى الغضب صمتاً أو موتاً، سيان. فالحوار يخلق حالة وعي مهم، يتدارك الأخطاء ويأتي بالنجاحات بالضرورة، فليس من المعقول أن تستمر مثل هذه الأحاديث الموغلة في الفردية وتلغي متطلبات وآراء وأفكار الآخر فقط لكونه لا يملك حق القرار. وعلى مستوى القوانين فإنها تسن من واقع لا يدركه أحد، وقد لا يخدم الإنسان بصفته صاحب المكان والزمان، إنها لسان حال متخذي القرار وقد تخدم أهداف أهل المصالح أكثر من كونها تنصف الجميع وتوزع العدالة بالتساوي. فالإنسان في أوروبا محاط بحزمة قوانين تحميه وتمنحه اعتباره وتتيح له فرصة ممارسة حقه الإنساني في انتخاب من يعتقده، بتميزه وقدرته على اجتراح الأفضل. فكم قرناً نحتاج لنصل إلى هذا الإيمان المطلق بالإنسان، وإلى القناعة بحتمية حوار عقلاني يستجيب للمعارضة ليس كونها شخصية بقدر ما هي تنظر لمدى بعيد يخص الجميع دون استثناء. ليست الديمقراطية وحدها هي المطلب، إنها عقلية التبادل على كافة الأصعدة، واستهداف الإصلاح دون مجاملات، والبحث عن قيمة الإنسان وحماية هذه القيمة. هنا فقط سيكون عصر التنوير قد بدأ وستجد الحرية مكانها أخيراً بيننا.