خبر عاجل قادم من المملكة العربية السعودية تناقلته وسائل الإعلام، خبر عنوانه "إحباط أكبر مخطط إرهابي في السعودية" ، إذ أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن إحباطها لمخططٍ يستهدف القيام بعمليات إرهابية داخل السعودية وخارجها. مخطط يتضمن عمليات انتحارية تستهدف شخصيات ومنشآت نفطية وعسكرية بعضها بطائرات جرى إرسال عناصر إلى الخارج للتدرب عليها. وتمكنت قوات الأمن السعودية حسب الخبر من تفكيك سبع خلايا واعتقال 172 مشتبهاً به بالتورط في هذه المخططات وضبطت أسلحة ومعدات مختلفة وأموالاً يصل حجمها إلى 20 مليون ريال. العاجل في الخبر هو حجم الأرقام لا الخبر بحد ذاته، خلايا عنقودية بعدد أعضاء يصل للستين وأهداف محددة بمنشآت استراتيجية. ضرب النفط لا يعني إلا ضرب عصب الحياة للحكومة السعودية ولكل الدول الخليجية. تصدير للإرهاب واستيراد له، مخيمات تدريب وعمليات تخريب، حلقة في سلسلة بدأت منذ عام 1995 واستمرت حلقة تلتف حول الحكومة والشعب السعودي تضرب في الشرعية وتجهِّل المجتمع وتكفِّر الجميع. كانت المملكة العربية السعودية ولا زالت صمام الأمان لمنطقة الخليج العربي ولذا فإن أي محاولة لزعزعة الوضع الداخلي ولضرب النظام هدفها زعزعة وضع جميع الدول الخليجية، وهي تجربة غير معزولة ولا وحيدة فقد واجهت مجتمعات عربية وإسلامية جماعات إسلامية متطرفة تستخدم الإسلام للانقضاض على السلطة، ولتدمير المجتمعات وتكفير الحكام وتهديد الأمن. وجماعات استنسخت الفكر التكفيري وأعادت إنتاجه في مجتمعاتها هدفها الأساسي من كل ممارستها وأدبياتها الوصول إلى السلطة، وما يقال وسيقال ما هو إلا خزعبلات تبريريه لفكر في منتهى الخطورة قد يؤدي إلى ضياع المجتمعات وكل المنجزات. حين تلتبس العلاقة بين الدين والسياسة بين رجل الدولة ورجل الدين، حين تظهر خيوط الاستغلال في علاقة مركبة تنعكس مباشرة على المجتمع. فحين يكون الاستغلال لجهة رجل الدولة يسبَّح بحمد ويُثنى على السلطان قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فتصاغ الخطب الدينية تحض على إطاعة أولي الأمر وتحرِّم الخروج على السلطان، ولعل الحالة العكسية أكثر استثنائية في تاريخ الشعوب، وإن كانت ظهرت في القرون الوسطى في سيطرة الكنيسة على الدولة، لكن ذلك ماضٍ ومضى. فالمثال الصارخ والمعاش بيننا بحده الأقصى هو نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية في إقصاء سليل الأسرة البهلوية، انقضاض رجال الدين على الحكم باسم "ولاية الفقيه" بعد أن شرع فكر الإمام الخميني لرجال الدين ممارسة الحكم لحين عودة الإمام الغائب، فكان منصب مرشد الثورة أهم منصب سياسي في الجمهورية الإيرانية، وأصبح حرس الثورة أهم من القوات النظامية لحماية النظام. كان المثال الشيعي صارخاً في خطابه الديني، تصدير للثورة وتكفير للنظم الحاكمة، احتلت صورة رجل الدين المشهد السياسي فكان ولابد لهذا الخطاب من خطاب ديني مُضاد على الضفة الأخرى. أصبح للدين دور ودور رئيسي في حياة الشعوب العربية والإسلامية والخليجية خاصة بعد أن انهزم الفكر القومي وتراجعت الأفكار الاشتراكية التي لم تلقَ رواجاً شعبياً خاصة في منطقة الخليج لربط الشيوعية بالفكر الإلحادي حتى نزعت مقولة الدين أفيون الشعوب من سياقها التاريخي وأصبحت تهمة لكل من ينتمي للفكر الاشتراكي أو الشيوعي. غاية السرد أن الخطاب الديني بكل جاذبيته المستمدة من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وبكل ما يرتبط بهما من إجلال وتقدير في المجتمع أصبحت له الحظوة على غيره، وفي نفس الوقت أصبح إقصاء الآخر اللامنتمي بمنتهى السهولة، فاتهامات بالشيوعية أو بالليبرالية كانت كفيلة بإقصاء كل مختلف عن السائد. بدت للتيار الإسلامي حظوة في المجتمع ولدى الدول، وشهدت فترة الثمانينيات الفترة الذهبية لصعود فكر الإسلام السياسي، ووجد له تطبيقاته في ثورة إسلامية في إيران ومجاهدين أفغان يحاربون الآلة العسكرية السوفييتية سموا بالمجاهدين. فتحت الدول والمجتمعات الخليجية أبوابها لدعوات الجهاد ودعم المجاهدين الأفغان، حتى انتقل الدعم من الأموال المتدفقة إلى أرواح الشباب. بدأت الدول الخليجية تنزف في أفغانستان وبدا الشباب العائد من أفغانستان بقايا آدمية صعباً تكيُّفها في مجتمعاتها. بدأت إشكاليات الدول والمجتمعات مع العائدين من أفغانستان ومع الفكر المتطرف في الظهور، وبدأت المؤسسات الأمنية في الدول الخليجية تتابع أنشطة العائدين من أفغانستان والتنظيمات الإسلامية الناشطة. بدأت الدول ومن حقها أن تقلق عندما يبدأ الفكر الديني في الاتجاه نحو التشكيك بشرعية الحكومات وتبدأ هذه التنظيمات في تكفير مجتمعاتها وحكامها، هل فات الأوان آنذاك لاحتواء هذا الفكر المتطرف؟ في الحقيقة أن جوهر الفكر التكفيري لم يكن ثمرة أفغانستان ولا أفكار تنظيم "القاعدة" بل تمتد جذوره لكل حركات التمرد التي ظهرت بنسب معينة في المجتمعات الخليجية حتى ربما قبل أن توجد الدولة الحديثة في الدول الخليجية. لكن المثال الأبرز كان حركة جهيمان العتيبي واستيلاءه على الحرم المكي سنة بداية القرن الهجري. الأفكار لا تموت حتى لو قضت الحكومة السعودية آنذاك على حركة التمرد، ظلت الأفكار التي أثارتها الجماعة تحت التراب وفي الصدور تبحث عن ريح مناسبة لتظهر من جديد، وكان محرك الريح جماعة "القاعدة" وفكر بن لادن، فكان مقدراً للأفكار أن تعود وتنمو في تربة لم تجتث منها. شهد منتصف التسعينيات أولى الاصطدامات في السعودية، وتوالت بعدها التفجيرات والعمليات الأمنية المضادة وانكشف حجم الخطر للخارج ولأول مرة، فالحكومة السعودية تواجه تنظيمات عنقودية إرهابية تهدف إلى تفكيك أسس الدولة السعودية التي قامت في جذورها على تحالف غير مسبوق بين قائد سياسي وقائد ديني، الدولة الرمز بدأت في معركة أشباح لم تقدر حجمها الدول الأخرى إلا بعد أن استيقظ العالم على زمرة غزت مانهاتن في الحادي عشر من سبتمبر أغلبية أعضائها من السعودية، ونفذت عملياتها بدعم وتمويل من تنظيم "القاعدة" الذي يتزعمه بن لادن. كانت الصدمة الثانية هي استشعار مدى تغلغل هذا الفكر في بعض المجتمعات الخليجية التي بدت لوهلة متعاطفة ومبررة لعمل إرهابي لا مبرر دينياً ولا أخلاقياً له بالمطلق، وتوالت الصدمات فالحكومة السعودية في حرب شعواء مع خلايا نائمة وأخرى مستيقظة تضرب في الرياض والمنطقة الشرقية البترولية ولم تتورع عن الحرم المكي. كان انتشار الفكر التكفيري والتدميري ظاهرة تستحق الدراسة من المعنيين، وبدأت فعلاً أكبر حملة لمحاربة إرهاب الداخل في المملكة العربية السعودية والدول الخليجية، معركة اتخذت من المساجد والجامعات ووسائل الإعلام أدوات معركة أفكار قبل أن تكون معركة أجهزة أمنية، تكاتف المجتمع مع الدولة حماية لأبنائه من فكر لا يؤدي إلا إلى تدمير المجتمعات. صحيح نجحت قوات الأمن السعودية في عمليتها الأخيرة لكن الأرقام التي وردت في الخبر مخيفة ومقلقة إلى حد كبير.