تشكل الزيارة التي بدأها رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي" إلى الولايات المتحدة مطلع الأسبوع الجاري، فرصة أخرى للتأكيد على الخطاب السائد بين البلدين حول الرؤى المشتركة والقيم التي يتقاسمانها. لكن لن يخلو الأمر لدى كلا الجانبين من قلق حقيقي حول مدى صلابة التحالف التقليدي بين اليابان والولايات المتحدة. ولعل أبرز ما يزعج أصدقاء اليابان المقربين في واشنطن هو عدم قدرة "آبي"، أو عدم رغبته في التعامل الفعال مع "المسألة التاريخية" وما تثيره من جدل واسع في المنطقة والعالم. فقد استطاع "آبي" بعد انتخابه رئيساً للوزراء أن يتجنب ببراعة سؤال ما إذا كان سيستمر في زيارة الضريح الذي يضم رفات المقاتلين اليابانيين في الحرب العالمية الثانية، بمن فيهم شخصيات أدينت بجرائم حرب، أم أنه سيستنكف عن ذلك. وبالطبع لقي هذا الموقف ترحيباً من قبل واشنطن لأنه سيمهد الطريق أمام تحسن العلاقات بين اليابان وجارتيها الصين وكوريا الجنوبية. لكن سرعان ما انتكست هذه العلاقات عندما شكك "آبي" في قرائن تدل على استغلال الجيش الإمبراطوري الياباني للنساء في دول المنطقة للترفيه عن الجنود خلال احتلالها لتلك البلدان. وقد اعتبرت الدول المجاورة لليابان أن إنكارها لجرائمها السابقة هو بمثابة إساءة للضحايا، وهو ما صب في مصلحة القوى الإقليمية التي تسعى إلى عزل اليابان. كما أثار الإنكار الياباني شكوك واشنطن في القدرات الدبلوماسية والسياسية لرئيس الوزراء "شينزو آبي". أما اليابان فقد تملَّكها ذلك الخوف الأبدي من أن تميل الولايات المتحدة باتجاه الصين، في ظل تراجع مواقفها الحازمة من الملف النووي لكوريا الشمالية. فقد سلكت اليابان والولايات المتحدة الطريق ذاته لأربع سنوات بغرض عزل كوريا الشمالية والحد من تعاملاتها المالية غير المشروعة مع الخارج لحملها على التخلي عن برنامجها النووي. هذا في الوقت الذي عارض فيه باقي الأعضاء المشاركين في المحادثات السداسية -الصين وكوريا الجنوبية وروسيا- الجهود الأميركية لممارسة ضغوط إضافية على بيونج يانج، مفضلين منحها مزيداً من الضمانات والحوافز. ومن بين كافة الأطراف، أيدت اليابان وحدها التوجه الأميركي في التعامل مع الملف الكوري الشمالي. وعندما أقدم "كيم يونج إيل" في شهر أكتوبر الماضي على تجربته النووية الأخيرة دفعت اليابان في اتجاه إقرار مجلس الأمن لعقوبات على كوريا الشمالية. غير أن الولايات المتحدة التي طالما رفضت المطالب الصينية بالدخول في مفاوضات مباشرة مع كوريا الشمالية، غيرت طريقها وعقدت جلسات سرية مع دبلوماسيين كوريين في برلين. وهي الخطوة المفاجئة التي أثارت شكوك اليابان، لاسيما أنها لم تُخبر بتفاصيل الصفقة فاضطرت إلى تأييد التوجه الأميركي الجديد. ويرى العديد من الاستراتيجيين اليابانيين أن الولايات المتحدة تسرعت في رفع الضغوط المالية عن بيونج يانج، وأبدوا مخاوفهم من أن يؤدي إصرار بلادهم على فرض العقوبات على كوريا الشمالية إلى عزلها في المنطقة، رغم أنها قامت بذلك بطلب من واشنطن. ويخشى المسؤولون اليابانيون من إقدام وزارة الخارجية الأميركية على شطب اسم كوريا الشمالية من لائحة الدول الراعية للإرهاب قبل أن تكشف عن مصير المختطفين اليابانيين لديها. والأكثر من ذلك يتوجس اليابانيون من فشل الاتفاق الحالي في إخلاء كوريا الشمالية من السلاح النووي، ومن أن تنجح بيونج يانج، بطريقة أو بأخرى، في الاحتفاظ بصواريخها البالستية وما تشكله من تهديد حقيقي على الأراضي اليابانية. وتتعاظم المخاوف اليابانية من أن تقرر الولايات المتحدة التعايش مع خطر كوريا الشمالية وتتخلى عن أحد أقرب حلفائها في منطقة جنوب شرق آسيا، لاسيما في ظل عبارات الشكر التي أغدقتها الولايات المتحدة على الصين لمساهمتها في التوصل إلى الاتفاق. ومهما كانت التطورات في الملف النووي لكوريا الشمالية فإنه من الضروري بالنسبة للإدارة الأميركية أن تعمل على تدعيم أسس التحالف الأميركي- الياباني. فقد قطعت كل من واشنطن وطوكيو شوطاً كبيراً في السنوات الأخيرة على طريق تعميق التعاون الأمني، وتطوير أنظمة الصواريخ الدفاعية، وترتيب وضع القواعد الأميركية في اليابان. لكن ما يحتاجه التحالف بين البلدين اليوم هو رسم رؤية استراتيجية أشمل وأكثر طموحاً. وفي هذا الإطار قامت حكومة "آبي" بوضع الخطوط العريضة لهذه الرؤية المتمثلة في إقامة "قوس من الحرية والازدهار" يرتسم على امتداد آسيا. والأكثر من ذلك تسعى هذه الرؤية إلى فتح حوار منتظم مع الديمقراطيات الأساسية في المنطقة على شاكلة التعاون الوثيق الذي جمع بين الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا لمواجهة تداعيات كارثة "تسونامي" التي ضربت المنطقة عام 2004. وبدلاً من تجاهل اقتراح "شينزو آبي"، خشية إغضاب الصين، يتعين على الولايات المتحدة تأييد المقترح والانضمام إلى الجهود اليابانية لبناء تجمع جديد لدول آسيا الديمقراطية. وسيقود هذا المشروع الجديد إلى تعزيز ثقة اليابان في جيرانها وتهدئة مخاوفها من التخلي عنها وسط منطقة تضج بالأخطار، فضلاً عن التركيز على القيم المشتركة في العلاقات الخارجية. كما أن إشراك اليابان في مشروع يضم الدول الديمقراطية في المنطقة، سيساهم في طمأنة الآخرين بشأن نواياها. وبدلاً من إبداء الصين لمخاوفها من ارتفاع المطالب الداعية إلى إعادة عسكرة اليابان والإصرار على عزلها، فإنه من الأفضل إشراكها من خلال الترحيب بقرارات طوكيو. آرون فريدبورج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ السياسة بجامعة برينستون الأميركية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دان بلومينتال ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ باحث في معهد "أميركان إنتربرايز" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"