هل نحن بحق أمة تحكمها الأهواء غير العقلانية؟ ذلك هو ما يعتقده رودي جولياني. فقد كان من رأيه يوم الثلاثاء الماضي، أنه وفي حال انتخابنا رئيساً "ديمقراطياً" في الانتخابات المقبلة، فإن علينا توقع المزيد من هجمات الحادي عشر من سبتمبر على بلادنا. أما ما لم يصرح به جولياني علناً، فإن في مثل هذا القول ما يكفي لزرع الرعب في قلوب الناخبين، ودفعهم دفعاً للتصويت لصالح مرشحي الحزب "الجمهوري"، بل ربما لصالحه هو بالذات. على أن الدفع بهذه الحجة ليس من قبيل الممارسة الانتخابية الجديدة بأي حال. فقد واصل قادتنا السياسيون منذ هجمات 11/9 اللعب المستمر على فرضية رعب الشعب الأميركي من مجرد سماع عبارة "الإرهاب"، ولذلك فها هم يقتلون الحس النقدي فيه، ويرهنون مستقبله ويقصقصون أجنحة حرياته المدنية، ويهدمون أعز وأرسخ ما قام عليه مجتمعنا من مبادئ وقيم. وكل ذلك مقابل وعد زائف بتوفير الأمن والسلامة للمواطنين. والأمر السيئ في أن يستسلم الكثيرون منا طوعاً وإرادة لهذه الصورة النمطية المذلة. وعلى رغم أن الولايات المتحدة لا تزال أقوى وأكثر الأمم ازدهاراً، إلا أنه نما إلى اعتقاد الكثيرين، أننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من انقراض ماحق يحدق بنا. والحقيقة أنه لا أساس من الصحة لهذا الاعتقاد. وعلى رغم صحة القول بأن هجمات سبتمبر تلك كانت مأساوية ومروعة، إلا أنها لم تهدد بقاء الأمة بحد ذاته. وبخلاف عام 2001 الذي وقعت فيه الهجمات، فإن مجموع ضحايا الإرهاب الدولي –عالمياً وليس من الأميركيين وحدهم- لم يتجاوز بل لم يقارب حتى رقم الألفي قتيل سنوياً. ولذلك تظل هجمات سبتمبر استثناءً. وبالنتيجة، فإنه لم يكن أسامة بن لادن نفسه، ليحلم بانهيار البرجين، وبمصرع ما يقارب الثلاثة آلاف ضحية في ضربة واحدة! وعلى رغم فداحة الخسارة البشرية التي يمثلها مصرع 3 آلاف مواطن أميركي، إلا إن علينا ألا ننسى حقيقة تجاوزنا لمحن أشد وأكثر فداحة. فقد تجاوزت خسارتنا الـ100 ألف قتيل في الحرب العالمية الأولى، وأكثر من 400 ألف قتيل في الحرب العالمية الثانية، مضافاً إلى 37 ألفاً في الحرب الكورية، و58 ألفاً في حرب فيتنام. وكل تلك الأرقام لم تفل عزم أو ثبات أمتنا، ولم نتحول بسببها إلى دولة ترتعد ذعراً من الموت. والحق أن الأمراض والحوادث المرورية تحصد سنوياً من أرواح الأميركيين، أكثر مما يفعل تنظيم "القاعدة" والشبكات الإرهابية الأخرى المتحالفة معه. ذلك أن معدل الوفيات السنوية الناجمة عن حوادث المرور، هو حوالى 43 ألف حالة وفاة. وعلى رغم ما يمثله هذا الرقم من خسارة فادحة لذوي ضحايا هذه الحوادث، فإنه لا يزال في وسعنا الحد من نسبتها فيما لو جعلنا منها أهمية قومية قصوى في جدول أعمالنا. ولعل إدارة بوش قد شبعت حتى الآن من شن الحروب والخوض في غمارها، إلا أنه لا يزال عليها إعلان حرب ِإضافية واحدة على الأقل، ألا وهي الحرب على الوفيات اليومية في طرق المرور السريع. أما الخط السياسي الذي اتبعه "الجمهوريون" في ممارستهم وخطابهم اليومي عقب هجمات 11/9، فهو ضرورة تفادي وقوع أي هجمات إرهابية جديدة على بلادنا، بأي ثمن كان. وذلك هو الخط السياسي عينه الذي روج له رودي جولياني بالتصريح المنسوب إليه آنفاً. بيد أن إنجاز هذا الهدف، إنما يتطلب أن يتفوق شعورنا بالذعر والرعب من خطر الإرهاب، قدرتنا على الفهم والتفكير. وربما تصدق نبوءة جولياني هذه في حال انتخابنا رئيساً "ديمقراطياً". ولكن ألا تقتضي الصحة نفسها، القول باحتمال وقوع الهجمات الإرهابية نفسها على بلادنا، في حال انتخابنا لرئيس "جمهوري"؟! فبصرف النظر عمن يتولى تصريف شؤوننا في البيت الأبيض، فإن هناك من الإرهابيين من يتربص بنا ويريد أن يلحق بنا الأذى بغض النظر عن موقف بلادنا أو سياساتنا منه. وهذا هو ما يحدث حتى للضحايا الأبرياء حتى في مدن العراق وشوارعه. ولذلك فإنه ينبغي على الساسة "الجمهوريين" مراجعة هدف "الصفر إرهاب" هذا لكونه هدفاً مستحيلاً وغير قابل للتنفيذ. روزا بروكس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"