إن الطفرة الاقتصادية التي شهدتها الدولة خلال السنوات الماضية، بسبب ضخامتها بالقدر الذي جعلها تتمدد لتشمل أكبر قاعدة من المجتمع، لازمها ضعف واضح في الوعي الاستثماري لدى المستثمرين ومن يمتلكون مدخرات يسعون لاستثمارها وتنميتها في جميع الأنشطة الاقتصادية، الأمر الذي أثر سلباً في قوة ومضمون الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه الدولة حالياً، والذي يرتكز بصفة أساسية على النفقات والاستثمارات الحكومية، حيث تشير التقديرات إلى أن الاستثمارات الخاصة بالأنشطة الاقتصادية لا تتعدى 15% فقط من مجموع الاستثمارات بالدولة، بل إن هذه الاستثمارات الخاصة نفسها تعتمد بصفة أساسية على ما تنفقه الحكومات المحلية في مشروعات التنمية، ما يعني أن جهود إشراك القطاع الخاص في عمليات التنمية لا تزال متأخرة. إن ظاهرة انخفاض الوعي الاستثماري، وإن كانت عامة في جميع القطاعات الاستثمارية، حيث ترتبت عليها منشآت خاصة هشة لا تسهم كثيراً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية بالدولة، إلا أن هذه الظاهرة كانت أكثر وضوحاً في سوق الأسهم، التي وصلت قيمتها السوقية في مرحلة من المراحل نحو 850 مليار درهم، ولكنها وخلال أقل من عامين فقدت نصف هذه القيمة تقريباً، ولا تزال يوماً بعد يوم تنكفئ على نفسها، بسبب افتقار السواد الأعظم من المتعاملين إلى الوعي الاستثماري. ومما يؤكد أن ضعف الوعي الاستثماري ليس خاصاً بالأفراد من شرائح المجتمع، الذين تدفقوا بمئات الآلاف صوب قاعات التداول في مرحلة من المراحل للفوز بحصة من أرباح الأسهم، بل إن دائرة غياب الوعي الاستثماري تتسع لأكثر من ذلك لتشمل الشركات التي استغلت هذه الفورة الاستثمارية في الأسهم، ودفق السيولة بمعدلات كبيرة، وأغرقت السوق بعدد كبير من الإصدارات الأولية، في ظل شكوك حقيقية حول جدوى الأنشطة التي يمكن أن تقوم بها الشركات الجديدة، والتي أصبحت تنزع نحو التكرار، وتتعارض كلياً مع خطط ومتطلبات التنمية الاقتصادية. أما البنوك المحلية، فقد كانت هي الأخرى ضمن حدود هذه الدائرة، حيث اقتحمت سوق الأسهم بكل ما فيها من مخاطر وفتحت منافذها أمام المقترضين وقدمت قروضاً إغرائية للمكتتبين في الأسهم، فكانت النتيجة خسائر فادحة للجميع من أفراد وشركات وبنوك، وهي خسائر كان بالإمكان تجاوزها أو التخفيف من حدّتها لو توافر الحدّ الأدنى من الوعي الاستثماري لدى هذه الأطراف. وإذا كان غياب الوعي الاستثماري لدى الغالبية الساحقة من المستثمرين والمضاربين هو المعول الأساسي الذي انهارت به أسواق الأسهم، فإن توجهات كبيرة وغير رشيدة تتحكم بالاستثمار العقاري اليوم، وتدفعه نحو المصير نفسه. فيوماً بعد يوم يختلّ التوازن بين العرض والطلب، في العديد من القطاعات العقارية، ومع الوقت سيصبح فائض العقارات المعروضة بهذه القطاعات أكثر وضوحاً، وحينها يصبح الانخفاض بالأسعار أمراً حتمياً لا مناص منه، ولكن رغم ذلك لا يمكن بالطبع الحديث عن توقيت محدد لهذا الانخفاض في ظل غياب أي نوع من الإحصاءات أو المؤشرات الدقيقة ذات الصلة بالقطاع العقاري عموماً. هذا الواقع يفرض حاجة ملحّة للارتقاء بمستوى الوعي الاستثماري، ليس فقط في أسواق الأسهم والعقارات، بل وفي جميع مجالات الاستثمار الأخرى، حتى يكون الاستثمار دعامة حقيقية للاقتصاد الوطني. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.