في دراسة طريفة لـ"هيرش جودمان" بعنوان Transilmania (جيروساليم ريبورت 6 مايو 2005) يقول الكاتب: أدركت جيداً أن سياسة إسرائيل الخارجية في مأزق لا تحسد عليه عندما رأيت "جودى شالوم نير موسى"، زوجة وزير الخارجية الإسرائيلي ترافقه في زيارة رسمية إلى مصر، هذا البلد الإسلامي المتدين، العام الماضي، وهي شبه عارية حيث كانت ترتدي جينز ضيق إلى درجة أنني كنت أتصور أنها لن يمكنها النزول من على سلم الطائرة. كما أنها كانت ترتدي بلوزة (توب اسباجتي) لم تكشف عن كتفيها العاريتين فحسب، وإنما كشفت من جسدها أكثر مما يحب المرء أن يرى. هذا المثال يوضح كيف أن وزير الخارجية الإسرائيلي يستخدم أدواته في كل مناسبة، سواء أكان اصطحاب بطانته الحمقاء الذين سمحوا له بأن يصطحب زوجته وهي شبه عارية إلى مصر أو أصحاب النفوذ في اللجنة المركزية لحزب "الليكود". فقد اتضح أن "ديفيد أدمون"، أحد الشخصيات المؤثرة في هذه اللجنة، عندما أصبح سفيراً للمجر، أهمل واجباته الدبلوماسية وكرس وقته للتربح حتى يستطيع أن يقوم بتسديد ما عليه من ديون باهظة. إن "سيلفان شالوم"، بلا أدنى شك، هو أسوأ وزير خارجية عرفته إسرائيل. فعندما سافر مؤخراً إلى موريتانيا، كان محط استهزاء وسخرية الموريتانيين. فعندما وصل هناك، التقطت له بعض الصور مع قيادات الدولة الذين ظل يصافحهم واحداً تلو الآخر، وفي مجموعات منفصلة حتى يزيد عدد الصور. وأثناء حفل الاستقبال الذي أقامه السفير الإسرائيلي تكريماً له، والذي دعي له عدد كبير من السفراء الأجانب في هذا البلد الأفريقي المسلم، اختفى وزير الخارجية بعيداً في حجرة لمشاهدة مباراة لكرة السلة بين فريق "ماكابي" تل أبيب وفريق آخر في الدور الأوروبي الرابع قبل النهائي. ولكن هذه مجرد قشرة خارجية، فعلى مستوى أعمق لاحظ "ميرون بنفنستي" (المستشار السابق لكوليك، العمدة السابق للقدس) (هآرتس 12 أبريل 2007) أن النخبة الحاكمة في إسرائيل قد تكلَّست تماماً، فهي تتشبث بالنهج الحربي (والحلول الأمنية) لتكرس الصراع. فهم مثل "موشيه دايان" الذي قال قبل نصف قرن من الزمان: أنا ضد التنازل عن أية مساحة كانت، وإذا أراد العرب الحرب بسبب ذلك فلن أعارض. (وهذا لا يختلف كثيراً عما قاله شارون: ما لم يؤخذ بالقوة يؤخذ بمزيد من القوة!). ويستمر "بنفنستي" قائلاً: "حكومات إسرائيل أظهرت على الدوام حماستها للعمليات الحربية، وتباطأت في ضبط نفسها والبحث عن التسويات والحلول. من الممكن بكل سهولة إيجاد الذرائع دائماً لشن العمليات الهجومية مُدعين أننا قد تعرضنا للهجوم، وأننا في موقف دفاعي. شعارات الحرب التي فُرضت علينا وحرب اللاخيار تخفي من ورائها نهج احتلال المناطق والتشبث بالكنوز الإقليمية التي تم الحصول عليها في الحروب السابقة". "هذا في الوقت الذي يتطلع فيه المواطنون إلى الحياة الطبيعية ويرغبون في إلقاء السلاح". الأيديولوجيا المهيمنة تقول "إن عداء العرب هو وضع دائم، وإنهم يفتقرون بصورة جذرية إلى الاستعداد للنظر لإسرائيل ككيان شرعي، وإن الطابع العنيف للمنطقة لا يســمح بالــتوصل إلى السلام الحقيقي، وإنما يُمكّن في أحســـن الأحوال من التوصل إلى هدنة سرعان ما تُخترق عندما يشعر الأعداء بأن إسرائيل ضعيفة. وهذا ما يراه أيضاً العميد احتياط "أهارون ليبران" (معاريف 15 أبريل 2007) في مقال بعنوان "لا يمكن المقارنة بين النزاع بين الكاثوليك والبروتستانت في ايرلندا الشمالية والنزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين". وفي محاولة تفسير هذا الوضع يقول الكاتب: ماذا يمكن أن نستنتج من التطورات في ايرلندا الشمالية في شأن نزاعنا؟ نستنتج قبل كل شيء أنه يمكن الانتصار على الإرهاب والعنف بوسائل عسكرية. والكاتب بطبيعة الحال يعني المقاومة الفلسطينية، فهو شأنه شأن "دايان" و"شارون" يؤمن بالعنف والحلول المسلحة. ثم يستأنف الكاتب محاولة التفسير فيقول: "كي يكون النزاع قابلاً للحل، يجب أن يتميز الطرفان بقدر متساوٍ على التقريب. أما هنا (في إسرائيل) فإننا موجودون في وضع استراتيجي دائم، قلّة من اليهود مقابل جمهور كثير من العرب المُعادين، يأمل أكثرهم أن ينتهوا إلى النصر"، أي أنه لا مخرج سوى القوة والمزيد من القوة. ويبدو أن القيادة الإسرائيلية لم تقرأ ما كتبه الكاتب الإسرائيلي "أليكس فيشمان" (يدعوت أحرونوت في 21 فبراير2007) الذي يبين أن "حزب الله" لم يستخدم كل ما لديه من الأسلحة في الحرب الأخيرة وأن قدرته على إطلاق الصواريخ اليومية على إسرائيل هي أكبر مما كان يطلقه من الصواريخ البالغ نسبتها 250 صاروخاً يومياً في الحرب. وبحسب الكاتب فإنه في حال أرادت إسرائيل اعتراض ألف صاروخ في اليوم من صواريخ "حزب الله" بواسطة المنظومة التي تعمل شركة "رفائيل" على تطويرها، فإن إسرائيل ستعلن إفلاسها بعد أسبوع. كما يبدو أنهم لم يسمعوا الملاحظة الفكاهية لـ"زئيف شيف"، أهم معلق عسكري إسرائيلي، الذي اقترح أنه يجب على إسرائيل تزويد المقاومة الفلسطينية بصواريخ "سكود" التي يمكنها التصدي لها، بعد أن أخفقت تماماً في التصدي لصواريخ "القسّام"! كما أنهم لم يقرؤوا مقال "غاي معيان" بعنوان "بعد 31 عاماً من يوم الأرض تزداد قيادة الأقلية العربية في إسرائيل تطرفاً، وتسعى إلى تقويض أسس الدولة اليهودية" (معاريف 29 مارس 2007). يلاحظ الكاتب أنه "في يونيو 2000 أجرت حركة التجمع الوطني في أم الفحم مسيرة احتفالاً بنصر "حزب الله"، والانسحاب الأحادي من لبنان. ومجّد عضو الكنيست عزمي بشارة أمام مئات المحتفلين، المنظمة الشيعية، ودعا المجتمعين إلى تعلم الدرس واستنتاج النتائج المطلوبة للنصر (معاريف 6 يونيو 2006). إنهم يسمون الجيش الإسرائيلي قوات الاحتلال أو جيش التمييز العنصري، ويزعمون أن إسرائيل تقوم على مبادئ فصل عنصري، ويدعون إلى إلغاء طابعها اليهودي". ولكن موقف النخبة الحاكمة المتعنت يتجاهل تحولات بنيوية عميقة تمر بها الدولة الصهيونية التي "تحولت إلى إمارة تكنولوجيا عليا على شاطئ البحر المتوسط" حسب تصور "يغئال سيرنا" (يديعوت أحرونوت 10 أبريل 2007). يقول الكاتب "إن كل الفساد ينكشف الآن: رئيس الدولة، رئيس الوزراء، وزير المالية، جهاز الضريبة، كلها قضايا كانت مجرد شائعات على مدى سنوات طويلة، لكنها تفجرت الآن". ثم يتعمق الكاتب ليصف لنا أسباب ما حدث: فالبلاد بدأت تنتقل رسمياً إلى أصحاب رؤوس الأموال المحليين والخارجيين، فقد انضمت الدولة رسمياً وبشكل مطلق إلى عالم العولمة الذي يهزنا هزاً. فالعولمة حطمت كل الأطر بشكل مفاجئ. لقد حولتنا إلى مستعمرة غنية جداً بمحاجر العقول، فقد أصبحت التكنولوجيا العليا هي مصدرنا الأساسي. نحن محجر تكنولوجيا عليا هائل، أما الأطر الصهيونية القديمة فقد تآكلت تماماً، فانقسم المجتمع وبشدة إلى أثرياء وفقراء، وتآكلت دولة الرفاه". والله أعلم.