في دامس الظلام، يتلصص بؤبؤ العين بحثاً عن الضوء ومحاولة اختلاس النور، يسحب من أبطأ تحت الماء أنفاساً عميقة مع شهقة استرداد الروح... في زمان أخبار الانتحار انفجاراً وتفجيراً، وفي وقت يتلاشى فيه الأمل العراقي بالتعايش والسلم شيئاً فشيئاً، وفي عهد التناحر الفلسطيني، وفي عصر الاستقطاب الطائفي اللبناني، وفي الأثناء التي تتناثر فيها دارفور السودانية، وتذوي الصومال جنوباً، وفي عهد رفض المبادرات المغربية السلمية بالنسبة للصحراء الغربية.. في خضم هذه الصور الدامية القاتمة، وفي هذه المرحلة المشؤومة، تنفتح بوادر الأمل، وتتفتح نوافذ التفاؤل، وتردد كمن استعاد الهواء بعد انقطاعه، "لا يزال هناك رجاء وخير"... في المعرض الدولي الخامس والثلاثين للاختراعات الذي عقد في جنيف قبل أيام، يفوز عدد من المخترعين العرب بجوائز تعكس كوامن للأمل، وتلقي لمن يتمسك بالتفاؤل حبلاً من البقاء والاستمرار والإيمان، خمسة مخترعين كويتيين يحصدون جوائز ذهبية وفضية وبرونزية، ظافر العصيمي يكتشف جهازاً متطوراً يجنب رجال الإطفاء مشاكل من حرائق الدرجة الثانية التي تتلو الحريق الرئيسي ويمكنهم من الوصول إلى الموقع الأساسي بسرعة كبيرة من خلال فتحات صغيرة في المباني. ومخترع كويتي آخر -عبدالله العيدان – يحوز ميدالية ذهبية لاختراعه جهازاً خاصاً بأجهزة التكييف يوفر استخدام الطاقة بشكل هائل، كما اخترع جهازاً يطور أسلوب الاتصالات لكي تكون أكثر سرعة من خلال استخدام الموجات الصوتية بأسلوب جديد. كما حصل الدكتور طارق البحري من جامعة الكويت على ميدالية فضية لأنه اخترع دواءً يعالج الأمراض والمشاكل الجلدية. وكان بين المخترعين وفاء الكاظمي التي حازت على ميدالية برونزية لاختراعها خلطة من الأعشاب الطبيعية لمعالجة حروق الجلد. وحصل المخترع السعودي خالد الرشيد على جائزة الاتحاد الدولي لاتحادات المخترعين في العالم كما حصل المخترع السعودي وليد العافي على جائزة جمعية الاختراعات والتصميم الماليزية. وشارك عدد من الاختراعات السعودية في المعرض منها نظام صديق للبيئة خاص بالتعامل مع بقايا الطعام بالمنازل والفنادق والمجمعات السكنية وغيرها "لا يمتلك العرب طريقة يجعلون بها العالم يدرك بأن لديهم كل ذلك الإبداع والعقول". هذا ما صرح به رئيس لجنة التحكيم الدولية ديفيد تاجي فاروقي... قرأت هذه الأخبار وأنا في الطائرة في طريقي إلى منتدى الإعلام العربي الذي يعقده نادي دبي للصحافة كل عام، في المنتدى يتم تكريم المبدعين من الإعلاميين العرب. لا أدري لماذا تذكرت الدكتور المصري كرم دوس في رواية علاء الأسواني الأخيرة "شيكاغو" وصاحب رواية "عمارة يعقوبيان". في رواية شيكاغو طالب جراحة مصري يحرمه متطرف متسلط من التخرج، فقط لأنه قبطي، فيضطره ذلك القهر للإبداع أن يهاجر إلى أميركا حيث أبدع وأصبح من أشهر الجراحين في العالم، تماماً مثلما أبدع السير البريطاني مجدي يعقوب، ومثلما حاز أحمد زويل على جائزة نوبل للعلوم، ومثلما أبدع زيدان كروياً، وشاكيرا فنياً، وفاروق الباز فلكياً، وإيلي صعب زياً (نسبة إلى الأزياء)، وغيرهم، فقصص نجاح العرب في المهجر كثيرة، وغالباً ما أبدعوا في البيئة الصالحة، فالعقل مثلما الوردة، يحتاج للشمس والماء لعملية البناء الضوئي والتفتح، وكذا العقل، يحتاج إلى الحماية والحرية والتشجيع. أنا واثق بأن المخترعين الفائزين في جنيف، لا يقضون أوقاتاً كثيرة في المقاهي والدواوين والصالونات السياسية، ولم يتملكهم اليأس لإدمانهم سماع الأخبار السياسية، ردهم كان اختراعاً، فأعادوا فينا الأمل. في رواية شيكاغو، تدور الأيام، ويصاب المتطرف بجلطة تستدعي جراحة عاجلة يقوم بها كرم دوس، الضحية يعالج الجاني.. من يدري!؟ فقد يعالج هؤلاء المخترعون بعضاً من آلامنا السياسية يوماً...