خلال صيف عام 2004 أقدمت مجموعة صغيرة من المتمردين العراقيين على تفجير القسم الجنوبي لأنبوب النفط العراقي. وهذا الهجوم لم يكلف من قاموا به -ولم يتم القبض على أي أحد منهم- سوى 2000 دولار أميركي في حين أن الخسائر التي نتجت عن الهجوم تجاوزت 500 مليون دولار تمثل قيمة شحنات النفط التي كان يمكن تصديرها لو لم يتم نسف الخط، أي أن الخسائر الناتجة عن الهجوم بلغت 250 ألف ضعف تكلفته. هذه المقدمة كانت ضرورية كي يدلف منها "جون روب" خبير مكافحة الإرهاب المثير للجدل لطرح تصوراته ورؤاه حول الحروب والإرهاب والعولمة في كتابه الذي نعرضه هنا وعنوانه: "الحرب الجديدة الشجاعة: المرحلة التالية من الإرهاب ونهاية العولمة"، ويرى فيه أن التحول قد حدث من الصراعات التقليدية بين دول في مواجهة دول أخرى والتي اندلعت في مراحل مختلفة من تاريخ البشرية إلى نوع جديد من الحروب بين دول من جانب وجماعات صغيرة الحجم تعمل من أجل تحقيق غرض معين وتضم متمردين متماثلي الأفكار من جانب آخر. وهو يتنبأ في هذا السياق بأن يقودنا هذا التطور إلى عالم يوجد فيه عدد من الجيوش الصغيرة التي سيزداد عددها على نحو مطرد بتزايد القضايا التي تدعوها لخوض القتال من أجلها. ويقول الكاتب إن أن الأعداء الجدد يبحثون عن ثغرات في الأنظمة الحيوية للدول للقيام بأعمال محدودة النطاق والتكاليف مثل نسف خط أنابيب، أو تدمير شبكة كهربائية، تؤدي إلى تحقيق عائد معنوي أو مادي كبير لتلك الجماعات وخسارة للدول التي تتعرض لتلك الأعمال الإرهابية. ويكشف المؤلف معتمداً في ذلك على نماذج مستمدة من وقائع التمرد في العراق، أن التقنيات التي مكنت للعولمة، وساعدت على انتشارها هي ذاتها التي سمحت للإرهابيين والمجرمين، والأيديولوجيين من كل صنف ولون برصِّ صفوفهم وتوحيد جهودهم في العمل ضد عدو أكبر حجماً وأكثر ثراء -دون أن يتمكن هذا العدو من كشف هوياتهم- وتنفيذ عمليات ضده سواء من خلال أوامر تصدر لهم أو حتى من خلال السعي لتحقيق هدف نهائي واحد يشتركون فيه ويؤمنون بجدواه لرفع مظلمة أو لتحقيق أجندات خاصة. وهذا النوع الجديد من الحروب المفتوحة المصدر يتيح الفرصة للمتمردين كي يقوموا بتنسيق هجماتهم وإصابة أهدافهم والتكيف مع التغييرات التي يجريها العدو على تكتيكاته بأقل قدر ممكن من التكلفة والخطر. والأهم من ذلك كله كما يكشف"جون روب" في كتابه أن هذا النوع من الحروب يتم تصديره في الوقت الراهن إلى مختلف أنحاء العالم من باكستان إلى نيجيريا إلى المكسيك... ما يؤدي إلى خلق طبقة جديدة من المتمردين يطلق عليهم المؤلف اسم "مقاتلي العصابات العولميين". وهذه القفزة الثورية في أساليب الحرب تجعل من السهولة بمكان على مجموعات صغيرة للغاية وعابرة للدول أن تخوض بنجاح حربها ضد دول أكبر منها وبشكل منتظم. وإقدام المتمردين على استخدام وسيلة تدمير المنظومات كوسيلة من وسائل الحرب الاستراتيجية، يطلق العنان لسيناريوهات كابوسية يمكن فيها لأي دولة -بما فيها الولايات المتحدة- أن تتعرض للإفلاس بواسطة عدو لا يمكن أن تتنافس معه اقتصادياً، أي لا يمكن أن تتنافس معه في قدرته على تحقيق الأهداف بأقل تكلفة اقتصادية ممكنة. ويرى الكاتب أن البشرية في الوقت الراهن ترى أمامها مستقبلاً لا تتعرض فيه الدول إلى الهزيمة دفعة واحدة ولكنها تتعرض لها في صورة تآكل تدريجي لقواها العسكرية والاقتصادية والسياسية من خلال استمرارها في خوض صراعات عديدة مع أعداء أصغر. باختصار يرى المؤلف أن الحرب في القرن الحادي والعشرين ستكون مختلفة كلياً عن كافة السيناريوهات التي توقعتها البشرية، وأن هناك عوامل كثيرة ستساعد على تحقيق ذلك منها ثورة الاتصالات، والدور الخطير الذي أصبحت شبكة الإنترنت تلعبه في تسهيل مهام تلك القوى الجديدة التي تستفيد من الإمكانيات الهائلة التي توفرها الشبكة في التعرف على طرق تصنيع المتفجرات الفتاكة وعلى الحصول على ما يلزم من معلومات حول المواد المستخدمة لتحقيق أكبر خسائر ممكنة ضد أعدائها، بالإضافة بالطبع إلى الاستفادة من الشبكة في تحقيق التواصل أو نقل المعلومات أو الأوامر. والسؤال هنا هو كيف يمكن للبشرية أن تدافع عن نفسها ضد هذا التهديد الجديد والمدمر؟ يحاول المؤلف من خلال كتابه تقديم حجة جديدة تقوم على أن الوقت قد حان للقيام بعملية لنزع الصفة المركزية عن كافة منظوماتنا، بدءاً من منظومات الطاقة والاتصالات، إلى الأمن والأسواق، لأن الوقت حان كي يضطلع كل مواطن بمسؤوليته الشخصية عن بعض الجوانب في أمن الدولة، كما أن الوقت حان كي نعمل جميعاً على جعل منظوماتنا وأنفسنا أكثر مرونة وأكثر قدرة على التكيف وأكثر قدرة على النهوض بعد الهزيمة تماماً مثل القوى الشريرة التي تصطف ضدنا، على أن نعمل في الوقت ذاته على اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل حماية منظوماتنا ضد الأنواع الجديدة والمختلفة من الحروب التي يمكن أن تتعرض لها البشرية. سعيد كامل الكتاب:" الحرب الجديدة الشجاعة: المرحلة التالية من الإرهاب ونهاية العولمة" المؤلف: جون روب الناشر: وايلي تاريخ النشر: 2007