قد تعلِّمُنا المأساة التي وقعت في جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا أشياء عن الدوافع التي قادت شاباً في مقتبل العمر إلى ارتكاب جريمة قتل داخل الحرم الجامعي، لكنها لا تعلمنا الشيء الكثير فيما يتعلق بمراقبة الأسلحة وضبط استخدامها. واللافت أنه إلى غاية اللحظة لم نسمع دعوات من شخصيات سياسية أميركية بارزة توظف المجزرة الأخيرة للمطالبة بمراقبة الأسلحة. والسبب أننا مقبلون على انتخابات رئاسية ولا يريد "الديمقراطيون" فقدان أصوات الناخبين بتركيزهم على موضوع مراقبة الأسلحة أو الحد من تداولها. ومع ذلك لم يحل هذا السبب الذي لجم أفواه السياسيين الأميركيين، دون تأييد وسائل الإعلام لقضية مراقبة الأسلحة مثل "نيويورك تايمز" التي دعت إلى فرض مراقبة "على الأسلحة التي تتسبب في ارتكاب المجازر". ولم يقتصر الأمر على الصحافة الأميركية بل امتد إلى الصحف الأوروبية التي راحت تنتقد ثقافة حمل السلاح في أميركا وتحملها مسؤولية الجرائم البشعة دون رحمة. فقد وجهت الصحافة البريطانية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية انتقادات لاذعة للولايات المتحدة لانصياعها لجماعات الضغط المدافعة عن الحق في حمل السلاح. لكن العديد من مزاعم الصحف الأوروبية تنطوي على مغالطات لابد من تسليط الضوء عليها. فقد دعت صحيفتان على الأقل إلى ضرورة منع الأسلحة الأوتوماتيكية، رغم أن القاتل في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا لم يستخدمها. وفي صحيفة أخرى قرأت أن الحصول على مدفع رشاش في الولايات المتحدة هو أسهل من الحصول على رخصة لقيادة السيارة، والواقع أنه لا أحد يستطيع شراء رشاش بطريقة قانونية. أما الصحيفة الثالثة فقد زعمت أن نسبة العنف ازدادت في الولايات المتحدة، وهو عكس ما تشير إليه الإحصاءات، حيث انخفضت الجرائم في أميركا بشكل ملحوظ مقارنة مع السنوات الماضية. دعونا نتأمل وضعية العنف الناتج عن انتشار الأسلحة، والجدوى من فرض قيود على حملها. بداية لابد من الاعتراف بأن الولايات المتحدة تضم حوالى 260 مليون قطعة سلاح (ضمنها 60 مليون مسدس)، وهي بلاشك مسؤولة عن ارتفاع نسبة القتل في هذا البلد. فنحن لا نعرف القتل بالطعن أو بالتسميم، بل لدينا العديد من حالات القتل الناتجة عن إطلاق النار. وهكذا تؤدي سهولة الحصول على الأسلحة في الولايات المتحدة إلى ارتكاب جرائم قتل لدى تجار المخدرات والعصابات المتصارعة فيما بينها، أو خلال الشجارات التي تشهدها الشوارع. ومع ذلك لا يوجد من سبيل للحد من الأسلحة، حيث سيكون الأمر مخالفاً للدستور ومستحيل سياسياً الإقدام على مصادرة الملايين من قطع السلاح. ويمكن للسلطات أن تعلن مكاناً ما خالياً من السلاح، كما قامت بذلك جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا، دون أن تحد من استمرار تدفق السلاح إلى أيدي الناس. وإذا ما أردنا معرفة إلى أي مدى ستؤدي عملية الحد من الأسلحة المحمولة، أو مراقبتها إلى التقليص من نسبة الجريمة في الولايات المتحدة فعلينا أولاً أن ندرك، على غرار الخبيرين في علم الجريمة "فرانكلين زيمرينج" و"جوردون هوكينجز"، أن نسبة جرائم القتل التي لا تستخدم الأسلحة النارية في أميركا هي أكثر بأربع مرات من نظيرتها في إنجلترا. ولأسباب تاريخية وثقافية، يعتبر الأميركيون أكثر عنفاً من الإنجليز حتى بدون استخدام أسلحة نارية، وهو ما يعني أن نسبة الجريمة لن تنخفض في أميركا، حتى ولو تم الحد من الأسلحة النارية نتيجة معجزة سياسية أو دستورية. وقد فرضت السلطات الفيدرالية مجموعة من القيود على شراء الأسلحة النارية، حيث تقضي القوانين في بعض الولايات مثلما هو عليه الحال في ولاية فرجينيا بعدم شراء أكثر من سلاح واحد خلال الشهر، فضلاً عن منع القاصرين من اقتناء تلك الأسلحة. لكن حتى في ظل هذه القيود تظل الأسلحة النارية متاحة بسهولة لعموم الجمهور بسبب تواجدها في السوق السوداء، أو إمكانية الحصول عليها بطرق غير شرعية. ومن المستحيل ثني الأشخاص الخطرين عن اقتناء السلاح، إذ إما سيلجأون إلى سرقته، أو اقتراضه من طرف آخر. ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن السلاح الناري ليس شراً في مطلق الأحوال، فهو يلعب دوراً أسياسياً في الدفاع عن النفس. ورغم اختلاف التقديرات حول هذه النقطة، إلا أن الأرقام تفيد بوجود العديد من حالات الدفاع عن النفس تستخدم الأسلحة النارية. ففي إحدى الحالات الدالة على إمكانية الاستفادة من الأسلحة النارية ما قام به أحد الإداريين بمدرسة ثانوية في ولاية ميسيسيبي، حيث أوقف رجلاً مسلحاً كان يعتزم ارتكاب جريمة قتل في المدرسة لأنه أشهر في وجهه السلاح. فهل كان بإمكان أستاذ مسلح أن يمنع حصول المجزرة في جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا؟ وإذا كان من الصعب الجزم بذلك، فإننا لا نستطيع أيضاً استبعاد الاحتمال. أما فيما يتعلق بالازدراء الذي أبداه الأوروبيون تجاه جرائم القتل في أميركا وانتشار حمل السلاح الناري على نطاق واسع، فإنه عليهم أولاً أن ينظروا إلى واقع الجريمة في بلدانهم. ففي عام 2000 تجاوزت نسبة ارتكاب جرائم السرقة، أو الاعتداء في كل من إنجلترا واسكتلندا وفنلندا وبولندا والدانمرك والسويد، نظيرتها في الولايات المتحدة، كما أن نسبة جرائم الاعتداء في بريطانيا تفوق بمرتين نسبتها في أميركا. وقد أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية أنه خلال العقد الذي منعت فيه بريطانيا تداول الأسلحة النارية ارتفعت نسبة الجرائم الناتجة عن إطلاق النار. ويبقى الدرس المهم والوحيد الذي يتعين استخلاصه من مجزرة جامعة فرجينيا للتكنولوجيا هو ضرورة تكثيف الجهود لرصد الأشخاص الخطرين والتعامل معهم. جيمس ويلسون أستاذ السياسة العامة في جامعة "بيبرداين" الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"