إن أكبر اختبار يواجه عالمنا العربي والإسلامي هو في العولمة المتجددة بكافة أشكالها التي لن تتوقف على مدى السنوات المقبلة كجزء ملازم لاستحقاقات التغيير في كل العالم، وهذا الموضوع المهم كان محور المؤتمر التخصصي الذي عقد منذ أيام بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية حول "العولمة في القرن الحادي والعشرين، ما مدى ترابطية العالم؟"، وميزان النجاح والتعثر في سباق العولمة ليس في الصدمة الأولى، بل إن الخوف منها ومن مواجهتها هو أول الهزيمة. فالصعوبة في هذا الاختبار العالمي هي أنه رأسي الاتجاه لذا فكل ما يفرض من شروط الموافقة عليها سواء على هيئة (الجات) أو (الجاتو) فالأمران معولمان، فبما أننا دائماً نعتبر الطرف الثاني أو الثالث في هذه الاتفاقيات المباشرة فإن حجم الإملاءات علينا ضخم في حالة الموافقات التي لا نملك خياراً ثالثاً حيالها. هذه العولمة تقودها دول منظمة تبني قراراتها على رؤى مؤسسية واضحة لدى شعوبها قبل أن تعرض علينا وإلاّ كانت الخاسر الأكبر في العملية برمتها ولا تصل إلينا إلا وقد أخذت الموافقة الأولى من ممثلي شعوبها في البرلمانات حتى إذا وضعت شروطها حول رقابنا كانت الثقة في نجاحها مضمونة قبل أن نوقع عليها. والأصعب من ذلك، هو بقاؤنا في عزلة عما يدور حولنا من تغييرات لسنا من العناصر الفاعلة فيها فالتقوقع والمشي في الظل لن يجدينا، فالمستفيد الوحيد من العملية هو الذي آثر الاندماج في العولمة الكاسحة لكل الثوابت أو الخصوصيات فالمنفتح عليها أكثر استفادة من الآخر الذي يفضل أن يمضي بمحاذاة الجدار ولا ينصح بذلك السلوك لأن مصادفات الطرق الجانبية قد تكون أكبر من الصدمات العادية التي نحاول علاجها ومواجهتها بكل شجاعة. ما نستشعره في بعض مجتمعاتنا هو التعامل والتعاطي مع وسائل العولمة كالإعلام على سبيل المثال والمتطور بكل أشكاله التقليدية والإلكترونية إلا أننا لازلنا لم نصل إلى إنتاج برامج ذات مضمون يتناسب مع أطروحات العصر المتغيرة. فلازلنا مبهورين بمضامين الغرب في برامجه، وإن كان من بيننا من ينتقدها على الملأ، وأما في الباطن فهو مدمن على تلك البرامج حتى النخاع وهذا مثال على الازدواجية القاتلة في عقولنا وتصرفاتنا بين الإعلان و الإسرار. لابد من التفكير في العولمة على أساس أنها منظومة متكاملة من الأفكار أولاً ومن الوسائل المساعدة لتطبيقها في كل العوالم الأخرى ثانياً وبناء الوسائط المتعددة للترويج لها في الدول التي تقف حجر عثرة لعدم سريانها في المحيطات التي تعاني من غلبة العناد فيها. هناك نداءات حول الخصوصية التي ستذوب في هذا الطريق ولا نعرف حتى الآن ما هذه الخصوصية التي صمدت أمام هذا التيار الجارف، فكل منتوجات الغرب لا تفارق ديارنا وكل الأفكار المتطورة تحوم من حولنا. مع ذلك لم نبن لأنفسنا سياجاً يحافظ على هذه الخصوصية قبل وصول العولمة إلى أراضينا، وكأن الخصوصية التي يتباكى عليها البعض أمر مادي يتم التنازل عنه بمجرد حلول العولمة علينا ضيفاً مرحباً به. وبالعودة إلى أصحاب نظريات العولمة، نرى أن خصوصية أوروبا لازالت متمثلة في مواقفها أمام أميركا وخصوصية اليابان أشد وضوحاً في شرقيتها رائحتها الثقافية والأمثلة على ذلك كثيرة. فالخوف من طغيان العولمة على حركة الحياة من حولنا يجعلنا أكثر تقيداً بالخصوصية ونحن لا ندرك ماذا نريد منها في واقع الحال، فالأفضل لنا أن نكون شيئاً في قطار العولمة بدلاً ألا نكون شيئاً مذكوراً بين سطور هذا الاختبار الصعب.