لخّص صديق حضر حفل "أوركسترا القاهرة السيمفونية" في قصر الإمارات، والذي أقيم الأسبوع الماضي ضمن مهرجان أبوظبي الرابع للموسيقى الكلاسيكية، بأنّ ذلك اليوم "كان يوماً جميلاً"، ووجدت الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني موفقاً للغاية عندما قدّم لحفلته التي عزفت فيها الأوركسترا الوطنية الأوكرانية موسيقاه الساحرة، في المجمع الثقافي، بقوله: إنّ مثل هذا النشاط الموسيقي يؤسس "لديمقراطية" ناشئة، وعلاقة متميزة بين الحاكم والمحكوم في الإمارات. إنّ مبنى المجمع الثقافي في أبوظبي، صاحب فضل كبير على التكوين الثقافي، لأهل أبوظبي، من مواطنين ووافدين، وهو "ملجأ" كثير من الأشخاص في أوقات الضيق والضغط النفسي في العمل والحياة المتسارعة. وأنا شخصياً لن أنسى ما شهدته في هذا المبنى، فعدا الكثير من المحاضرات المنوعة، فإنّ مجموعات النقاش والحوار والاستماع الموسيقي في ركن "دلما"، تجسّد واحة في عالمنا المعاصر، ولن أنسى كيف رعى المُجمع الكثير من المواهب العربية وأخذ بيدها للعالمية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا أنسى حفل مارسيل خليفة، عام 1998، ولم يكن قد حقق خطواته العملاقة في عالم الموسيقى بعد، عندما وضع المجمع بتصرف خليفة أوركسترا فرنسية مرموقة وعازفين من أميركا اللاتينية لعزف موسيقاه، فوضع بذلك لبنة في الحضارة الإنسانية. ويشابه حديث الرحباني، في حفلته، عن السلام والديمقراطية، الاختيار الجميل لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، منظمة المهرجان، لشجرة "الغاف" لتكون شعار المهرجان لهذا العام، وكتبت على كل مطبوعاتها الأنيقة، ذات اللون الأحمر الجميل، والتي حملت صورة الشجرة مرسومة على شكل مقطوعة موسيقية: "كن أنت المدافع والحامي"، داعية كل حضور المهرجان بجنسياتهم ولغاتهم، لدعم حملة حماية شجرة الغاف، وجعلها الشجرة الوطنية لدولة الإمارات، ووصفت الشجرة بأنّها "المتكيفة، والجميلة، والغنية والخصبة، والمغذيّة، والمعالجة، وصديقة البيئة، والراعية، والمانحة، والقادرة على البقاء"، ودعت الجميع للتصويت بالدخول لموقع www.savetheghaftree.com، وتخيلت هذه الكلمات تصبح جزءاً من مشروع ثقافي حضاري إماراتي، وأنّ هذه الكلمات ستصبح صفات للدولة ككل، وليس لشجرتها الرمز فحسب. من الرائع رؤية الموسيقى العربية، وثقافاتنا المحلية، تصعد لمستوى العالم، تأخذ أفضل ما فيه، وتقدّم أفضل ما لديها، والأجمل أيضاً، أن نساهم بها، لذا فمن الضروري والمشروع، أنّ نحلم برؤية إسهام أبوظبي يتطور مستقبلاً، فعلى جمال وروعة رؤية العازفين من العالم، يعزفون موسيقاهم وموسيقى سواهم، في أبوظبي، تجسيداً للتواصل الإنساني، سيكون النجاح الحقيقي، أن نرى مشروع أوركسترا إماراتية على ذات المستوى، يشترك فيها أبناء الإمارات؛ من مواطنين وضيوف وافدين، حيث الإماراتي والعربي من أقاليم العرب الثلاثة: الخليج والمشرق والمغرب، معهم الأوروبيون ومعهم أبناء الأميركتين، يجسدون عبر الموسيقى وجهاً وتطبيقاً من أوجه وتطبيقات فكرة تناغم عبقري بين أبناء الثقافات، في لغة حضارية واجتماعية موحدة، تكونت على أرض "زايد الخير". فهل يمكن أن يبدأ مثل مشروع "الأوركسترا" الإماراتية هذه قريباً؟ إنّ النشاط الثقافي في أبوظبي خصوصاً، والإمارات عموماً، والمتزايد باطراد، لأنّه أصبح خيار واستراتيجية دولة، يجسّد مفهوماً جديداً في بناء الشخصية والثقافة، ويمكن أن يتحول لجزء من إنتاج ثقافة إماراتية وطنية- عالمية، وأن يكون ذلك كلّه ضمن عملية واعية يسهم بها اختصاصيون في الاجتماع والسياسة والإعلام، في عمليّات تطوير هويّة الإمارات الخاصة، القائم على ثقافة الانفتاح العالمي، وانصهار الثقافات والشعوب، مع الحفاظ على الهوية الأصلية للدولة، وصيانتها، وكل ذلك في عملية بحث عن الأفضل للإنسان، وعلى أساس تخطي هواجس انقسام وصدام الثقافات وكل ذلك سيكون مستقره ومصدره الإمارات، وأبوظبي، لتصبح أبوظبي عاصمة ثقافية عالمية، لا ترعى أهم معارض الكتب، وأهم مسابقات الرواية العالمية، فحسب، بل وحاضنة لإنتاجها الأدبي والفني والفكري. ولا تستضيف المعارض العالمية الكبرى فحسب، بل تكون لها مجموعاتها الفنية الخاصة، والمنتج بعضها محليّاً، فيصبح ارتباط العالم الخارجي، وأبناء الإمارات المواطنين، وسكانها الوافدين، ارتباطاً بثقافة ورسالة إنسانية، وهو ارتباط أعمق حتى من مفهوم المواطنة ومفهوم العمل والمهنة، ارتباط يصل إلى مرحلة الفكر والعقيدة الإنسانية، التي تكون الحاضنة لمجتمع النمو والأمن. aj.azem@gmail.com