تتميز الكويت بتجربة ديمقراطية لها جذورها التاريخية، وهي تجربة تستحق الإشادة, فالدستور الكويتي كان الركيزة في نقل الإمارة إلى أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد عندما تأزم الوضع الصحي للأمير الشيخ سعد العبدالله. ولكن بالرغم من تميز التجربة الكويتية فإنها باتت ملفتة للانتباه بسبب خطر الانحراف الذي يتهددها، ليس بسبب نظام الحكم، وإنما نتيجة مواقف وقرارات السلطة التشريعية! التجربة الكويتية حققت بعض الإنجازات وأرست دعائم الحكم وتحولت إلى سمة تاريخية لا يمكن الاستغناء عنها، لكن الأوضاع السائدة في البرلمان الكويتي مقلقة ومثيره للجدل, فبعض نواب الأمة لا يرون في الديمقراطية سوى تحقيق مكتسبات لمن انتخبهم ولم يعد يعنيهم تطور الدولة بقدر ما تحولت جهودهم للإثراء الشخصي وتحقيق مكاسب شعبية على حساب المصلحة العامة. ويبدو أن الأزمة اجتماعية وليست سياسية, فهناك قوى ناهضة جديدة لم يتم استيعابها اجتماعياً وهي قوى فاعلة وطموحة للمشاركة في القرار السياسي, وهذه الفئة تنتمي للقبيلة وتجد أن أبناء القبائل لم يمثلوا وأنهم مهمشون سياسياً وبالتالي لا يجد نوابهم سوى المطالبة بتحقيق مكاسب ومنافع خاصة لهم. الموضوع يتسم بحساسية فائقة وليس هناك من يرغب بفتح الملف لحساسيته. بعض نواب ما يعرف بالمناطق الخارجية سبق وأن طرحوا الموضوع من حيث غياب مبدأ تكافؤ الفرص في المناصب الحكومية والبعض تمادى بالتهديد. والملفت للنظر أن التأزم أصبح حالة مقلقة، مما استدعى أمير البلاد للاجتماع مع أبناء الأسرة الحاكمة وقد طلب منهم تقليل التصاريح الصحفية وعدم الإسهام في تأجيج الصراع الذي تعيشه البلاد. الكويت اليوم تعيش أزمة حقيقية، فقد يتقدم بعض النواب بطلب استجواب لوزير المالية أو غيره من الوزراء، مما قد يعرض البرلمان للحل والدعوة لانتخابات جديدة. ومن المؤكد أن حل البرلمان لن ينهي حالة الصراع ولابد من وقفة متأنية لدراسة أسباب الصراع والتأزم الدائم بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. القوى السياسية لها دور في إعادة الديمقراطية إلى مسارها، فلا يعقل أن تتخلف هذه القوى عن دورها الريادي ولابد للمجلس من تطوير لوائحه الداخلية وخصوصاً تأسيس لجنة القيم للحد من استهتار بعض أعضاء البرلمان في استخدامهم للسلطة الممنوحة لهم. بعض الأعضاء أصبحوا يمثلون خطراً حقيقياً على مسار الديمقراطية إذ بنهجهم يقودون البلاد إلى الخراب. الفشل في ترسيخ قيم الديمقراطية تتحمله جميع الأطراف, فالنظام السياسي منقسم على نفسه والمجلس تقوده تيارات غير واعية ولا تعي الممارسة الديمقراطية الصحيحة، أما القوى التي يطلق عليها الواعية فهي, قوى مهمشة ولم تعد قادرة على التأثير على مسار الديمقراطية، بل هي قوى منقسمة على نفسها تنازعها مصالحها الخاصة. الأزمة في الكويت تعكس حالة التخلف والصراع بين المجتمع التقليدي وموروثاته من جهة ومقتضيات التحديث السياسي وتحدياته من جهة أخرى. المتابع لتطور الديمقراطية لفترة ما بعد تحرير الكويت يلاحظ انحراف مسارها, حيث تحول المجلس إلى تحقيق مطالب شعبية منهكة لميزانية الدولة وأغفلت مشاريع التنمية مما انعكس على الوضع العام وشل الدولة بمؤسساتها. يتضح لنا أن الكويت تتجه نحو مزيد من التأزم وربما أصبحت إعادة النظر بالدستور أمراً ملحاً, لاسيما أن السلطة الممنوحة للمجلس أخذت في التحول إلى قوة عائقة. وبكل تأكيد فإن تعديل الدستور لا يعني تقليص الحريات العامة بقدر ما يجب التوجه إلى منح مزيد من الحريات المسؤولة وإيجاد صيغة متوازنة تحمي الدولة بمؤسساتها.