الاستراتيجية التي تعكس رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، والتي قدمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، تعتبر نقلة نوعية في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دولة الإمارات، وذلك لاعتبارات عديدة تعكس التغيرات المحلية والإقليمية والعالمية الجارية في الوقت الحاضر. في البداية لابد من الإشارة إلى التقدم الكبير الذي حققته دولة الإمارات في السنوات الماضية، والذي وضعها في مقدمة بلدان منطقة الشرق الأوسط في الكثير من الجوانب، بما فيها احتلال المركز الأول في الحرية الاقتصادية والشفافية، وتبوؤها لمراكز عالمية متقدمة في هذه المجالات، بالإضافة إلى تحولها إلى أهم مركز إقليمي للتجارة والأعمال في منطقة الشرق الأوسط. هذا التحول الكبير في الاقتصاد الإماراتي، وفي علاقة دولة الإمارات بمختلف بلدان العالم، واتساع نطاق حرية التجارة العالمية، وتحول العالم السريع إلى الاقتصاد الرقمي بفضل الإنجازات العلمية الهائلة في مجال الاتصالات والإعلام، كل ذلك يتطلب رؤية جديدة تتلاءم وهذه المستجدات على المستويين المحلي والخارجي. لذلك، ومن خلال النظر إلى مكونات الاستراتيجية يتضح أنها تلبي متطلبات التنمية المستدامة للمرحلة القادمة، فأولاً هناك العمل من أجل ضمان استمرار تطوير وتجديد الموارد الوطنية، وبالأخص الموارد البشرية، من خلال تطوير التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية والبيئية، يأتي بعدها استكمال بناء مرافق البنية الأساسية التي تتيح جذب المزيد من رؤوس الأموال والتدفقات المالية للدولة. لقد كانت الاستراتيجيات السابقة في مختلف البلدان تُبنى على أساس المكونات الداخلية بصورة أساسية، أما في ظل العولمة وانفتاح الأسواق، فإن الاستراتيجيات الحديثة تأخذ المكونات الخارجية بعين الاعتبار، والتي أصبحت تؤثر بصورة مباشرة في التوجهات التنموية لبلدان العالم دون استثناء. وإذا ما أخذنا قوانين منظمة التجارة العالمية على سبيل المثال، فإننا سنجد أن هناك العديد من الأنظمة واللوائح التي تتطلب معالجة خاصة ليتم التأقلم معها بما يخدم الاستراتيجيات والتوجهات التنموية. لقد أخذت الاستراتيجية الجديدة للدولة هذا الجانب بعين الاعتبار من خلال تأكيدها على الطابع العالمي للتنمية والتوجه لتأسيس مجلس وطني للتنافسية التي أصبحت تميز العلاقات الاقتصادية الدولية، وتطوير المرافق التي تدعم تعزيز مكانة الدولة كمركز عالمي للتجارة والأعمال، والذي يتطلب بدوره تطوير وتعزيز مكونات التنمية المستدامة. الاستراتيجية وجهت رسالة قوية لقطاع الأعمال والمستثمرين، تشير بوضوح إلى أن ما يتم تحقيقه في دولة الإمارات ليس حالة مؤقتة، وإنما يأتي ضمن رؤية شاملة، وفهم صحيح لمرحلة عولمة الاقتصاد، وإن هذه الاستراتيجية تضع أسساً قوية للمرحلة القادمة. هذه الرسالة الواضحة رافقتها شفافية وصراحة في تقييم الأوضاع، مما أشاع ثقة أكبر في أوساط المستثمرين ورجال الأعمال، فبداية حل أية مشكلة، هي ضرورة الإشارة إلى المشكلة ذاتها، وهو ما حدث بالفعل أثناء تقديم الاستراتيجية. فالقوانين والتشريعات والتعليم والخدمات بكافة أشكالها ومرافق البنية الأساسية ستشهد بناء على ذلك تطويراً شاملاً في السنوات القادمة لتضيف المزيد من الثقة للعملية التنموية في الدولة. بذلك تعزز دولة الإمارات مكانتها كنموذج تنموي عالمي استطاع في سنوات قليلة أن يضع نفسه على قدم المساواة إلى جانب التجارب التنموية الناجحة في العالم. قبل عقد من الزمن كان العالم يتحدث عن سنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية، أما الآن، فإن دولة الإمارات هي النجم الساطع في سماء التجارب التنموية، وذلك إلى جانب بلدان كبيرة، كالصين والهند والبرازيل والتي تختلف توجهاتها التنموية بحكم اختلاف استراتيجياتها المعتمدة على قدراتها وظروفها الذاتية. بلدان المنطقة والبلدان العربية بشكل عام يمكن أن تستفيد من التجربة الإماراتية، والتي تُعد الآن مؤشراً على ما يمكن أن تحققه هذه البلدان من تقدم اقتصادي واجتماعي، وحجز مقعد متقدم في التشكيلة الاقتصادية الجديدة في العالم.