لقد جاءت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية النيجيرية التي أجريت يوم السبت الماضي، بمثابة انتكاسة كبيرة للتجربة الديمقراطية في أفريقيا جنوب الصحراء، خاصة بعد أن تكشف للناخبين على امتداد القارة كلها، زيف الممارسة الديمقراطية في دولهم. يذكر أن هذه الانتخابات قد انهالت عليها انتقادات المراقبين المحليين والدوليين، ورفضها اثنان من كبار قادة المعارضة النيجيرية. ومن رأي المحللين أن تلك الانتخابات تقدم مثالاً صارخاً على اتجاه مثير للقلق، يتلخص في تزايد إجراء الانتخابات في دول القارة، طرداً مع تزايد فقدان المواطنين الأفارقة لثقتهم في نمط الديمقراطية الذي تمارسه حكوماتهم. وعلى حد قول "بيتر لويس"، مدير برامج الدراسات الأفريقية بجامعة "جون هوبكنز": "فإن صورة الممارسة الديمقراطية في أفريقيا، تبدو جد مختلطة ومشوشة. فبينما تجد دولاً يزدهر فيها المشهد السياسي العام، تجد دولاً أخرى تجري فيها الانتخابات على نحو روتيني متكرر، ولكن دون أن يطرأ أي تحسن على مستوى رشاد الحكم". يذكر أن "بيتر لويس" كان من بين أعضاء فريق الباحثين الذي اضطلع بإجراء قياس للرأي العام الأفريقي في العام الماضي. وبالنتيجة فقد تراجعت ثقة الناخبين في تلك الانتخابات، التي لا تعدو كونها ممارسة شكلية مفرغة من محتواها الديمقراطي، لكونها تقصي المرشحين ذوي الشعبية وتحول دون وصولهم إلى مواقع اتخاذ القرار، وعادة ما تصحبها التجاوزات الخطيرة، وفقاً لما جاء في دراسة الرأي العام الأفريقي التي شملت عينات للرأي شملت 18 دولة من الدول الأفريقية، وأجريت فيها لقاءات مع عينة يتراوح عددها بين 1200 و2400 لكل واحدة من الدول التي شملتها الدراسة. وفي حين كان من رأي 6 بين كل 10 ممن شملهم استطلاع الرأي، أن الديمقراطية هي نمط الحكم المفضل عندهم على ما سواه من أنظمة وأشكال الحكم الأخرى، إلا أن رضا من شملهم الاستطلاع، عن ممارسة التجربة الديمقراطية في بلدانهم، قد انخفضت نسبته إلى 45 في المئة فحسب، العام الماضي، قياساً إلى ما كانت عليه نسبة الرضا هذه في عام 2001، حيث بلغت 58 في المئة. وكان قد لاح مهدد خطير للتجربة الديمقراطية النيجيرية المزعزعة أصلاً، جراء التصريحات التي أدلى بها بعض المسؤولين الحكوميين، التي حذروا خلالها من احتمال تعرض البلاد لمحاولة انقلاب عسكري. وقال هؤلاء إن منتقدي الانتخابات الأخيرة، إنما يعلنون بانتقاداتهم تلك ترحيبهم بالانقلاب على التجربة الديمقراطية بإشعالهم لنيران العنف! وكان قد تنافس في الانتخابات الأخيرة هذه، 25 مرشحاً رئاسياً تطلعوا لخلافة الرئيس الحالي المنتهية ولايته، مع العلم بأنها المرة الأولى في التاريخ النيجيري، التي يتم فيها الانتقال السلمي الديمقراطي للسلطة من رئيس حكومة مدنية منتخبة، إلى رئيس حكومة مماثلة. غير أن الانتخابات هذه، غاصت في وحل الفوضى والعنف والغش والتزوير. وهذا ما قد يعجل الإعلان عن نتائجها. وعلى رغم رضا مسؤولي العملية الانتخابية عن أدائهم في تنظيم وإجراء اقتراعات السبت الماضي، إلا أن تعليقاتهم جاءت في تضاد حاد وصارخ مع تقييم المراقبين الدوليين لما جرى. من ذلك مثلاً جاء في تعليق "مادلين أولبرايت"، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، التي راقبت الحملة الانتخابية النيجرية عن "المعهد القومي الديمقراطي" أن "العملية الانتخابية قد خيبت آمال المواطنين النيجيريين في أكثر من جانب". أما "المعهد الدولي الجمهوري" فمن رأيه أن الانتخابات جاءت دون المستويات المطلوبة. هذا وتمثل هذه الملاحظات مؤشراً على حدوث انتكاسة كبيرة للتجربة الديمقراطية في نيجيريا، أكثر دول القارة كثافة سكانية، وثاني أغنى دولة فيها، بينما تعكس عمق الشعور بالإحباط بين ملايين الناخبين النيجيريين. وفي عام 2000، الذي شهد فورة الحماس لأول تحول انتخابي ديمقراطي تشهده نيجيريا التي طالما عصفت بتاريخها الحديث لعنة الانقلابات العسكرية والنظم الديكتاتورية، كانت مشاعر الرضا عن الممارسة الديمقراطية هناك، قد عبرت عنها نسبة 84 في المئة من المواطنين، وفقاً لدراسة الرأي العام الأفريقي المشار إليها آنفاً. لكن وبحلول عام 2005، فقد انحدرت تلك النسبة لتصل إلى 25 في المئة فحسب، وهي نسبة أدنى من كافة الدول الثماني عشرة التي شملتها الدراسة، باستثناء زيمبابوي. وحتى تاريخ صدور التقرير النهائي للدراسة المذكورة في العام الماضي، فإن نسبة 70 في المئة من النيجيريين باتت على ثقة بأن الانتخابات وصناديق الاقتراع، لم تعد وسيلة ناجعة للتخلص من القادة المتشبثين بمناصبهم في سدة الحكم. أما منظمة "فريدوم هاوس" وهي منظمة معنية بمراقبة انتشار الديمقراطية وحرية التعبير، فقد لاحظت في تقرير لها العام الماضي، أن اتجاهات انتشار الديمقراطية في أفريقيا مختلطة ومتباينة. ذلك أن عام 2006 نفسه، شهد على رغم الانتكاسات، بروز بعض الأمثلة الديمقراطية الواعدة في أفريقيا جنوبي الصحراء. وغني عن القول إن العام نفسه قد شهد أشد أمثلة الركود السياسي وانحسار الديمقراطيات وخيبة الأنظمة والحكومات. والملاحظ أنه ومع كل تجربة انتخابية ناجحة تحققت هذا العام في دول عرفت تاريخياً باضطراباتها، مثلما هو الحال في موريتانيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية، فلابد من أن توازيها دول أخرى بدت وكأنها قطعت شوطاً في طريق ترسيخ تجربتها الديمقراطية، إلا أنها حادت عن ذاك الطريق وانحرف بها المسار، على نحو ما هو حادث في كل من جامبيا وأوغندا وإثيوبيا وزامبيا. وبين هذه وتلك، هناك دول أفريقية أخرى، تعقد فيها الانتخابات على نحو دوري وروتيني منتظم، إلا أنه يصعب جداً وصفها بالديمقراطية. وفي تجربة كل من غينيا وزيمبابوي والجابون، خير مثال على هذا النوع الأخير من الدول. ولذلك تتردد في أنحاء مختلفة من القارة، أصداء أغنية المعارضين النيجيريين في ضاحية "ملوفاشي" الذين حرموا من التصويت في الانتخابات الأخيرة: "لا عمل.. لا طعام، لا ضوء، لا حرية، ولا انتخابات". ليديا بولجرين مراسلة صحيفة "نيويورك تايمز" في كانو - نيجيريا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"